حكومة السلفادور تنتهج سياسة القبضة الحديدية ضد المجرمين منذ عام ‬2004. غيتي - أرشيفية

السلفادور تتفاوض مع عصاباتها وتوفر لهم فرص العمل

كانت الساحة الرئيسة في مدينة إيلوبانغو في السلفادور تعج بالحركة والضجيج، بينما كانت الشمس تختفي وراء الجبال البعيدة. وكان طابور من أجل شراء وجبة محلية تدعى «بوبوسا»، وهي عبارة عن رقائق من الخبز في داخلها الفول والجبنة الذائبة، يزداد طوله مع ظهور الترنيمات من الكنيسة البروتستانتية المجاورة. وكان يوجد في الساحة طفلتان الأولى في الخامسة والثانية في السادسة من العمر أقنعتاني «لحديث الكاتب» في الانضمام إلى لعبة الكرة الصاخبة التي كانتا تلعبانها غير عابئتين بما يجري حولهما. وإذا رجعنا في الزمن عاماً إلى الوراء فإن مثل هذا المشهد لم يكن موجوداً في هذه المدينة.

وكانت المدينة ميداناً لقتال أكبر عصابتين فيها هما «ام اس-‬13» و«كالي ‬18». وكانت الرسوم الموجودة على الجدران تحدد مناطق سيطرة العصابات شارعاً شارعاً. واستخدمت العصابتان هذه الساحة لعرض جثث قتلاهما، كي يعرف الجميع من يقف وراء أعمال القتل هذه. وكانت هذه المشاهد تزرع الخوف والهلع في نفوس البائعين الجوالين وأصحاب المحال وسائقي التاكسي، الذين كانوا جميعاً يضطرون إلى دفع الإتاوة، كما أن أحدا لم يكن يجرؤ على الخروج من منزله بعد هبوط الظلام. وتم تصنيف السلفادور ثاني أكثر دول العالم في ارتكاب جرائم القتل عام ‬2011.

وفي مارس ‬2012 أعلنت العصابتان الهدنة ووقف القتل مقابل ظروف إنسانية تقدم لزعيمي العصابتين في سجنهما، وعملية دمج أفراد العصابتين في المجتمع. وخاطرت حكومة جبهة التحرير الوطني «فراباندو مارتي» بإثارة غضب الناخبين الذين يكرهون العصابتين خلال التفاوض معهما. وخلال أسابيع انخفض معدل القتل من ‬14 شخصاً يومياً الى خمسة أو ستة أشخاص في السلفادور. وكانت إيلوبانغو من أكثر مدن السلفادور انتشاراً للقتل حيث قتل فيها ‬117 شخصاً عام ‬2011. وانخفضت أعمال القتل بصورة دراماتيكية إلى ‬62 قتيلاً في عام ‬2012، وكانت أول منطقة يتم الاعلان بأنها خالية من عنف العصابات.

وكان مارفن غونزاليس (‬29 عاماً)، المتحدث باسم عصابة «ام اس-‬13» في إيلوبانغو، واحداً من ‬30 شخصاً من أفراد العصابة الذين يعملون في مزارع الدواجن، وهو مشروع للهدنة يجذب انتباه العالم لمحافظ المدينة سلفادور رونو الذي اخذ على عاتقه دمج افراد العصابتين في المجتمع. وأبلغني غونزاليس كيف انه اختار الانضمام الى عصابة «ام اس ‬13» عندما كان في الـ ‬12 من عمره. وقال «عملت ‬10 سنوات في الجحيم وعندما حكم على زوج شقيقتي بالسجن لمدة ‬136 عاماً لقتله ثلاثة أشخاص أيقنت أنه علي أن أتوقف».

وبعد مرور يومين ذهبنا الى مشروع عصابة «كالي ‬18» وهو عبارة عن مخبز صغير في شارع مغطى بالجداريات الخاصة بهذه العصابة، وكان العديد من الصبية يحملون الخبز على دراجاتهم مسرعين ويطلقون «الزمارات» لجذب الزبائن. وبالطبع فإن كبار أعضاء العصابة ليسوا هنا، إذ انهم لايزالون يتفاوضون مع محافظ المدينة.

ويعمل خافير غارسيا (‬22 عاماً)، في المخبز منذ أربعة أشهر حيث يكسب خمسة دولارات يومياً. وكان قد طرد من المدرسة وهو في سن الـ ‬14 مثل العديد من المراهقين، حيث وجد العصابة ملاذه المفضل بدلاً من البقاء في المنزل. وقال وهو يحمل الخبز «عندما أكون في المخبز فإني لن أعود الى الشارع بعد الآن وهذا جيد للجميع».

ووصل سلفادور رونو الى منصب محافظ مدينة إيلوبانغو بعد أن فاز بصعوبة على مرشح التحالف الوطني الجمهوري. وقال «وعدت الجماعتين بأني سأساعدهما على كسب العيش بصورة محترمة طالما أنهما توقفتا عن أعمال القتل، والآن فإننا نتفاوض معاً، من أجل السلام والتوقف عن العنف ضد الشعب». وأضاف أن مشكلة العنف هناك «ترجع إلى عقود خلت وليست هناك صيغة سحرية لتغيير الوضع. ولا أستطيع القول ان إيلوبانغو الآن خالية من العنف ولكن بعد عام واحد من وجودي في السلطة ابتعدنا عن العنف واقتربنا أكثر من السلام».

ويوجد في السلفادور أكثر سجون العالم اكتظاظاً، حيث يوجد نحو ‬26 ألف سجين في سجن مخصص لـ ‬8400 سجين، بسبب سياسة القبضة الحديدية التي انتهجتها الحكومة عام ‬2004. وتقول جين يكرز من جماعة حقوق الإنسان ومنظمة «فيسباد» وهي منظمة غير حكومية «على الرغم من الجذور الاميركية فيها، إلا أن العصابات كانت استجابة لحقيقة أن السلفادور تعاني وجود الكثير من المشكلات الاجتماعية التي لابد من حلها».

 

الأكثر مشاركة