فقراء مانيلا حولوا المقابر إلى قرى تضج بالحياة

كل صباح يغادر البرتو لاغاردا ايفانجليستا (‬71 عاماً) منزله الأصفر الليموني، المكون من طابقين، الذي يعيش فيه منذ العقد الماضي، ويتجه مشياً على الأقدام إلى العمل في المقبرة المجاورة، إذ يعمل «حانوتياً»، ويتقاضى ‬20 ألف بيزو سنوياً، وهو مبلغ صغير، الأمر الذي يجبره على اقتسام منزله مع سبعة آخرين، جميعهم من الموتى.

ويعيش ايفانجليستا ويعمل في مقبرة سمنتاريو ديل نورت، الممتدة على مساحة ‬54 هكتاراً من المساحات الخضراء في شمال العاصمة مانيلا، وهي مكان سكن لنحو ‬1000 عائلة أخرى. وفي أضخم مقبرة فلبينية عامة، تحولت المقابر إلى متاجر صغيرة لبيع الشامبو والمعكرونة، في حين أن حبال الغسيل كانت مشدودة بين الصلبان، وبطاريات السيارات تولد الطاقة لأجهزة المذياع والمسجلات والتلفزيون. ويعد منزل ايفانجليستا ضريحاً يضم ثمانية قبور، أما الطابق الثاني فيحوي غرفة نومه. وهو يقول «انظروا إلى المنظر الذي أراه من نافذتي»، ويشير بيده الى المدى البعيد المملوء بعدد لا يحصى من القبور.

والآن أصبحت الممرات الظليلة بين القبور تعج بالنشاطات التي يمكن مشاهدتها في أي حي عادي، فهناك مجموعة من الصبية يلعبون كرة السلة، في حين أن الكبار يمضون فترة ما بعد الظهر، حيث الحر القائظ، وهم يلعبون الورق ويشربون الصودا.

ويصنف سكان المقابر بأنهم الأشد فقرا في مانيلا، التي يعيش ‬43٪ من سكانها، البالغ تعدادهم ثمانية ملايين نسمة، في مستوطنات غير رسمية، كالمقابر مثلا في هذه الحالة، حسب تقرير لبنك التنمية الآسيوي عام ‬2011. وتمتلك هذه الدولة أكبر معدلات النمو السكاني في آسيا، إضافة إلى نقص كبير في عدد المساكن، الأمر الذي يعني أن السكان المدنيين يجب أن يجدوا المسكن في أي مكان يجدون فيه المتسع لذلك، فهم يسكنون تحت الجسور، وعلى طول الطرق الدولية، وفي الحارات، وقرب جداول الماء، أو حتى بين الموتى.

ولا يدري أحد بالضبط متى أصبحت المقبرة قرية حية، لكن العديد من سكان شمال مانيلا، البالغ تعدادهم ‬6000 نسمة، ولدوا هنا، ويتوقعون أن يمضوا بقية حياتهم هنا. وكان حفار القبور ستيف اسباسكو (‬52 عاماً) قد ولد وعاش في المقبرة ذاتها حيث يربي أطفاله الاربعة. وهو يقول «أحيانا لا أحب الحياة هنا لأنها قذرة»، لكنه استدرك أنه لا يريد العيش في أي مكان آخر.

ويضيف «والدي دفن هناك، ولا أدري أين يمكن أن أذهب».

ويدير باميل وجوزفين رافيز محلا لبيع المعكرونة المطبوخة، وكذلك الفول للسكان وأهالي الموتى، وهما يكسبان كمية من المال تكفي لإرسال ابنتهما البالغ عمرها ‬10 سنوات إلى المدرسة، ويقولان انهما يفضلان الحياة هنا على الخروج إلى مكان آخر.

ويقول راميل (‬46 عاماً)، الذي يملك مروحة وبراداً وطاولة وفرن مايكرويف وبطانيات في الضريح الذي يتخذه منزلا إضافة إلى ستة قبور «عندما جئت الى المقبرة قبل ‬30 عاما لم يكن هناك الكثير من العائلات، وإنما كانت مكاناً آمناً وهادئاً، لكنه مختلف جداً عن الأحياء الفقيرة في مانيلا»، وأضاف «لكن عندما أدرك الآخرون أنه يمكنهم العمل هنا والعيش مجاناً انتقلوا بكثافة».

ولم تحتفظ المقبرة بهدوئها السابق، إذ أصبحت السرقات وأعمال النهب والقتل شائعة، كما يعترف السكان، ومعدل البطالة بين الشباب مرتفع جداً، كما أن المشروبات الكحولية رخيصة. وهددت سلطات المدينة أكثر من مرة بإخراج هؤلاء السكان من المقبرة، لكنهم وجدوا طرقاً جديدة للبقاء باستخدام ذرائع، مثل أنهم مخولون البقاء من قبل أهالي الموتى للحفاظ على القبور.

ويرى مدير ملجأ «تحرك الفلبين من أجل المجتمع»، الأب نوربيرتو كاكرسيلار، أن القضية ليست مجرد أناس يعيشون في المقبرة، بل المشكلة أن مانيلا لا تقوم بمعالجة مشكلات الفقراء في المناطق المدنية. ويقول إن «الفقراء يدفعون أربعة أضعاف الحد المعروف لثمن الكهرباء والماء في أكواخهم الفقيرة، وليس لديهم أي خيار سوى الدفع». ويضيف كاكرسيلار «هؤلاء سكان القبور هم أناس غير مرئيين، ويمكن طردهم في أية لحظة من المكان الذي يعيشون فيه، وهم يواجهون الفيضانات ويعيشون على الهامش».

 

الأكثر مشاركة