ملك الجن بضواحي مراكش
لايزال البعض يعتقد بجدوى الاحتكام إلى الجن لحل ما يعانونه من مشكلات، وفي المغرب يوجد في عمق جبال الأطلس مقام لملك من ملوك الجن يتوافد عليه من ينشدون سماع حكمه. من مدينة مراكش كانت نقطة الانطلاق، سارت السيارة تطوي مسافة تزيد على الـ50 كيلومتراً نحو وجهتنا في عمق جبال الأطلس. منطقة إمليل، قرية صغيرة تعيش في سكينة مريبة في كنف سفح جبل توبقال الشهير، وهنا تنتهي علاقتنا بوسائل النقل الحديثة، لتتسلم صهوة البغال دفة القيادة في اتجاه مقام «شمهروش». صارت البغال تتوغل في المسالك الوعرة للجبل، وبين الفينة والأخرى، نلتقي أفواجاً من الرجال والنساء والشباب صاعدين إلى قمة الجبل أو عائدين إلى ديارهم، وكلما تقدمنا في الطريق صار الجو قارساً على الرغم من اعتداله في السفح. وبعد نحو ساعة من السير صعوداً نحو مقام شمهروش، صارت السحب تعانق الجبل، وأضحت الرؤية صعبة بعض الشيء. زوار مقام ملك الجن يتوجهون إلى هناك على ظهور البغال، ساعتان من الزمن انقضتا، ومن بعيد تلوح بضع بيوت متواضعة تحوم حول قبة بيضاء نصبت فوقها أعلام بيضاء وخضراء، وصومعة صغيرة بجانبها، إنه «بلاط سيدي شمهروش». صرنا نقترب شيئاً فشيئاً من هدفنا، وبين الفينة والأخرى يمر سرب من الغربان التي يعتقد سكان المنطقة أنها مسكونة «بالأرواح الشريرة». منظر المكان يخلق إحساساً بالرهبة، صخور مبعثرة هنا وهناك، وصمت مطبق لا يكسره سوى صوت نهر صغير يخترق تلك الجلاميد. يقول الحاج أحمد، أحد القيمين على ضريح «سيدي شمهروش»، «نحن نتبرك من هذا المقام لأنه مقدس، وهنا توجد أكبر محكمة للجن». أناس كثر يتحلقون حول المكان، جلهم نساء، منهم من افترش الأرض ومنهم من جلس إلى طاولات مهترئة بالمقهى الوحيد بالمكان، وبين الفينة والأخرى تطلق الغربان التي تحوم بالمكان أصواتا تنقبض لها الأوصال.
ويعتقد زائرو المقام أن «سيدي شمهروش»، وهو ملك ملوك الجن بحسب الموروث الشعبي المغربي، يبث في القضايا العالقة بين الإنس والجن.