الفساد السياسي معضلة تؤرق البرازيل
بعد محاكمة دامت طويلاً، لم يتمكن القضاة من إدانة عدد كبير من المتهمين المتنفذين في مجال السياسة والمال، وبات واضحاً أن السجن في البرازيل للفقراء فقط. ويقول المدعي العام في ساو باولو، رفائيل توتشرمان، «بدأ الناس يعتقدون أن الأقوياء أيضاً يمكن معاقبتهم»، ويضيف، «لكن النظام مستمر كما هو». ودين 25 شخصاً في فضيحة «مينسلاو» المالية، وطالت مقربين من الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا داسيلفا. ولأول مرة في تاريخ البرازيل، يتم حبس شخصيات مهمة، وتصدرت الصفحات الأولى لصحف محلية صور السجن الذي يستضيف هذه الشخصيات. وقالت مجلة «فيغا» اليمينية، إن الإدانة «درس للفاسدين»، وعلقت على الحدث بالقول إن «البرازيل تعيد اكتشاف الفرق بين الصواب والخطأ». ويقبع في السجون البرازيلية نحو 500 ألف نزيل، 92% منهم لم يكملوا دراستهم الثانوية. وصنفت دراسة أجرتها مؤسسة الشفافية العالمية المتخصصة في دراسة ظاهرة الفساد، البرازيل في المرتبة 62 على قائمة الفساد جنباً إلى جنب مع مقدونيا وجنوب إفريقيا.
الحصانة تعتبر إساءة استخدام السلطة، بدءاً من مستوى القاعدة الشعبية وانتهاء بالمسؤولين السياسيين ذوي الرتب العالية، جزءاً من الحياة اليومية في البرازيل. وعلى الرغم من التقدم المهم الذي أحرز في مناطق برازيلية لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أنه مازالت هناك خروقات شائعة من مسؤولين حكوميين وساسة، تراوح ما بين عدم الكفاءة والإهمال وهدر الأموال والفساد التام، وهو أمر يقول عنه البرازيليون إنه أصبح ممكناً بسبب ما يُطلَق عليه «ثقافة الحصانة البرازيلية». |
ويقول مراقبون إن الأحكام التي صدرت بحق متهمي فضيحة «مينسلاو» تشكل خطوة صغيرة إلى الأمام في الاتجاه الصحيح من أجل إيجاد حل لمعضلة الفساد السياسي في البرازيل، وكسر الحصانة التي يتمتع بها الأقوياء. وقال توتشرمان إن إجراءات التحقيق غالباً ما تكون غير كافية، وتتوصل الشرطة لحل أقل من 10٪ من الجرائم وتقدم المشتبه فيهم للمحاكمة. ويوضح أن المتهمين «الأقوياء» بمساعدة محامين مهرة يتحايلون على القانون بنجاح مقارنة مع أولئك الذين لديهم وسائل أقل. وأصحاب الإمكانات المحدودة لا يستطيعون توكيل طاقم دفاعي قوي وكامل، بحسب المدعي العام.
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة ساو باولو، لوزندو ليل فيلو، إن «فضيحة مينسلاو نتيجة تراكمات سابقة، ويسعى البعض لتوظيفها لأغراض انتخابية لمصلحة مرشحين في المعارضة». وهذه ليست الفضيحة السياسية الأولى التي تسجل هذا العام، إذ اتهم عضو في البرلمان بالاختلاس وتم سجنه. ويعتقد فيلو أن «الكثير من البرازيليين يرون في العمل الحكومي وسيلة لتكوين الثروة والكسب غير المشروع عوضاً عن خدمة الشعب». وهناك العديد من أبناء البرازيل ممن لديهم حس السخرية، يتهكمون كثيراً على الأحكام القضائية الصادرة في حق أصحاب الثروة والنفوذ في ضوء تاريخ طويل من التساهل والليونة معهم، وتساورهم الشكوك بأن المتهمين سيودعون السجن، خصوصاً أولئك الذين يتمتعون بعلاقات سياسية قوية.
وطالت التعليقات الساخرة على الإنترنت الحديث عن أولئك الذين سيعاد محاكمتهم السنة المقبلة، وأنه تم تفصيل الأحكام الصادرة ضدهم بما يتيح لهم الحق في قضاء فترة العقوبة داخل ما يسمى «السجون المفتوحة»، حيث تكون فيها الإجراءات الأمنية مخففة، إذ تسمح لهم بحرية الخروج خلال النهار والعودة إلى السجن للنوم فقط. وإذا ما جرى تأييد الحكم وصدوره بصورة نهائية، فإن فترة السجن المخفف ستقطع من مدة الحكم الإجمالية التي يتعين قضاؤها في سجن مغلق. ومن المقرر أن يذهب متهم آخر في فضيحة «مينسلاو» يدعى بيدرو هنري، إلى «سجن مفتوح» أيضاً، حيث يكون بمقدوره الجمع بين عقوبة السجن وعمله الجاري كمشرع في الكونغرس البرازيلي. ويقول رئيس محكمة العدل العليا في البرازيل، جاكويم باربوسا، إن «نظام العقوبات في بلادنا متراخٍ جداً، إنه نظام يحابي المشبوه تماماً، ويشجع على الإجرام».