جمال ضو واللغة العربية
عندما طلب البروفيسور الجزائري جمال ضو من مضيفة الطائرة التابعة لأحد الخطوط الجوية في بلاده، أن تتحدث معه باللغة العربية بدلاً من الفرنسية، غضبت وأبلغت قائد الطائرة، الذي أخذته الغيرة والحمية على اللغة الفرنسية، وطلب من جمال مغادرة الطائرة في الحال. وعندما حاول جمال الاستعلام عن السبب، ما كان من قائد الطائرة إلا أن استدعى له رجال الأمن الذين أنزلوه عنوة من الطائرة امتثالاً لأمر الطيار، متذرعين بأنه الآمر الناهي على متن الطائرة.
وفي الحقيقة هذه ليست الحادثة الأولى ولا الأخيرة، التي تدل على مدى الدرك الذي انحدرت إليه اللغة العربية. وبالطبع فإن ذلك ناجم عن الضعف والتشرذم الذي وصلنا إليه كأمة عربية، وليس نتيجة افتقار لغة الضاد إلى الألفاظ والتراكيب، التي تتماشى والتطور التكنولوجي والعلمي، الذي وصل إليه العالم حالياً. والغريب أن العرب يعيشون منذ قرون حالة من الانحطاط والضياع، ففي نهاية الاحتلال العثماني للمنطقة العربية، التي تمثل أسوأ ما شهدته الأمة في تاريخها الطويل، وعلى الرغم من عمليات التتريك التي حاولت الدولة العثمانية فرضها على العرب، إلا أن اللغة العربية كانت في حال أفضل مما هي عليها الآن، إذ ان المثقفين في تلك الفترة لم يكونوا يطعّمون حديثهم بكلمات إنجليزية أو فرنسية، على الرغم من أنهم كانوا يتقنون مثل هذه اللغات، ولم تكن تلجأ العائلات العربية الى تعليم أطفالها بلغات تعد حية في ذلك الزمان بدلاً من العربية، ولكن ذلك يحدث الآن، وربما نكون الشعب الوحيد في العالم الذي يعلم أطفاله منذ نعومة أظفاره بلغة قوم آخرين وليس بلغتهم الأم.
والحقيقة الثابتة أن الحالة المزرية للغة العربية ناجمة عن ضعف العرب، والمثال على ذلك أن قوة اللغة من قوة الناطقين بها هو اللغة الإنجليزية المهيمنة الآن على العالم، ما كان لها أن تكون كذلك لولا الظهور القوي والمهيمن للولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، خصوصاً أن بريطانيا، وإن خرجت من الحرب منتصرة إلا أنها كانت منهكة وضعيفة، ولولا الدعم الأميركي بمشروع مارشال الاقتصادي لانهارت مثل العديد من دول أوروبا الغربية، ولكانت اللغة الإنجليزية اقتصرت الآن على المملكة المتحدة وعدد محدود من الجزر التي كانت مستعمرات سابقة لها. وهناك أيضاً اللغة الصينية التي أصبحت لغة عالمية وبدأت الكثير من الدول بما فيها بريطانيا العظمى نفسها تدرس تعليمها لأطفالها، لأن الصين أصبحت قوة عظمى ونفوذها ملموساً على المستوى الدولي.
وبناء عليه ليس من المنطق تجاهل موضوع اللغة العربية حتى يصبح العرب قوة عظمى، وإنما ينبغي على أصحاب الشأن دعم اللغة بصدق وتعزيز مكانتها في التعليم وفي حياتنا اليومية.