بسبب التمييز العنصري
سكان مدينة شارلوت بالولايات المتحدة يعانون الفقر وندرة الفــرص
انتقلت شاميل جاكسون من فيلادلفيا إلى مدينة شارلوت، في ولاية كارولينا الشمالية، على أمل العثور على فرصة عمل جيدة ومدارس أفضل لأطفالها الأربعة، الذين تراوح أعمارهم بين سنتين و14 عاماً. إلا أنها وجدت مدينة ذات مساكن باهظة الثمن، وشحّ في الوظائف الجيدة، ومدارس تختلف بشكل كبير من ناحية الجودة. وتقول جاكسون (34 عاماً): «لم أعانِ أبداً في حياتي كما أفعل هنا في شارلوت». شاميل جاكسون ليست الحالة الوحيدة، إذ تشير البيانات إلى أن شارلوت هي بمثابة طريق مسدود للأشخاص الذين يحاولون الهرب من الفقر في الولايات الأميركية الجنوبية. هذا أمر مثير للدهشة بشكل خاص، لأن المدينة تعتبر رائدة في التنمية الاقتصادية جنوب البلاد. ويقع مقر «بنك أوف أميركا» هناك، وعلى مدى العقدين الماضيين أصبحت المدينة مركزاً لصناعة الخدمات المالية. وفي السنوات الأخيرة، صنفت شارلوت ومقاطعة «ميكلنبورغ» المحيطة بها، من بين المناطق الأسرع نمواً في البلاد. وفي ذلك تقول الأستاذة في كلية الحقوق بالجامعة المحلية، جين نيكول: «شارلوت هي مكان عجيب اقتصادياً في بعض النواحي، لكنها أيضاً مدينة بها تفاوتات صارخة جداً، وتشمل بشكل متزايد جيوباً مثيرة للقلق من الحرمان الحقيقي»، وجاء ذلك في تقرير شامل عن الفقر في أكبر مدينة بولاية كارولينا الشمالية. وطفت بعض هذه الفوارق على السطح، في سبتمبر، عندما اندلعت الاحتجاجات بعد مقتل رجل أسود، يدعى كيث لامونت سكوت، على يد الشرطة.
فرص تعليمية غير متكافئة وفقاً للباحثة جين نيكول فإن 77% من الطلبة السود يلتحقون بمدارس ذات أغلبية فقيرة، بينما يرتادها سوى 23% من الطلبة البيض. وتقع المدارس الأفضل أداءً في المناطق الثرية في الجزء الجنوبي من المدينة، بينما تقع المدارس الأسوأ أداءً في مناطق تعيش فقراً مدقعاً. وتبدو لاتاشا هانت، مصمّمة على التأكد من أن ابنتها ستذهب إلى مدرسة أفضل من المدرسة الموجودة في الحي الفقير. وتقول نيكول: «إن النظام المدرسي يتسم بالتمييز العرقي، كما هو حال السكن الذي تم تقسيمه وفقاً لاعتبارات عرقية»، متابعة «بالنظر إلى هذا الوضع المعقد، فإنه من الصعب على الناس الذين ولدوا في ظروف صعبة اقتصادياً إيجاد طريقة للنجاح في شارلوت». |
الإحصاءات المتعلقة بنسب الفقر والتهميش في شارلوت، مثيرة للقلق؛ في وقت بات فيه من الصعب «التنقل»، سعياً للعثور على وظيفة جيدة، وتوفير العيش الجيد للأطفال، والقيام بأفضل ما قام به الآباء. وبدلاً من التحول إلى الطبقة الوسطى في المدينة، من المرجح جداً أن يظل الفقراء فقراء، وأغلبيتهم من السود واللاتينيين.
وبالنظر إلى بيانات «مشروع تكافؤ الفرص»، نجد أن الكثير من ولايات الجنوب الأميركي لديها معدلات تنقل - إلى الأفضل - منخفضة. فالكثير من سكان المنطقة ليس بإمكانهم التحرك لتحسين أوضاعهم. وعلى مدى قرون كان التنقل سمة نسبة كبيرة من الأميركيين الذين حالف الحظ الكثير منهم في إيجاد فرص أفضل.
أكثر تمييزاً
يقول الخبير في مؤسسة «بيو»، إيرين كورييه، إن الجنوب الأميركي يكافح حقاً، وكشف عن تباطؤ في التنقل في الولايات، بما في ذلك لويزيانا وكارولينا الجنوبية وألباما وكارولينا الشمالية. من جهته، يرى الباحث راج شيتي، أن هناك بعض العوامل الرئيسة التي تلعب دوراً في التنقل لأسباب اقتصادية. وتميل هذه المناطق إلى أنها الأعلى معدلاً من ناحية التمييز العنصري، ونسبة الفقر فيها أعلى من المتوسط الوطني، كما تتميز بزيادة في التفاوت في معدلات الدخل، ونسبة مشاركة أكبر من قبل الأمهات الوحيدات، ما يعني أن الناس «يتفاعلون مع الآخرين الذين يمكنهم مساعدتهم على النجاح».
كل هذه المؤشرات موجودة في شارلوت، وفي معظم أنحاء الجنوب. وتعود جذور التمييز العنصري إلى بداية القرن العشرين، وتعزز التمييز بقوانين «جيم كرو»، وتم رسم خطوط حمراء لاحقاً في نهاية القرن. ولاتزال المشكلة قائمة إلى اليوم، ويعيش السكان البيض والأثرياء في بحبوحة، جنوب المدينة، في وقت يعاني فيه بقية السكان الفقر. ويعيش الأميركيون أصحاب الدخل المنخفض شمال وغرب المدينة، وهؤلاء في الغالب ذوو البشرة السمراء أو لاتينيون.
يوجد في الجنوب الأميركي، أيضاً، أعلى معدلات الفقر في الولايات المتحدة، وتصنف ميسيسيبي في المرتبة الأخيرة، ولويزيانا في المرتبة الـ49، وكارولينا الشمالية في المرتبة الـ39، عندما يتعلق الأمر بنسبة من يعيشون تحت خط الفقر. وفي حين أن «الفقر الجنوبي» يتجلى تقليدياً في المناطق الريفية، فإن المدن أصبحت الآن موطناً لأسوأ مظاهر الفقر في المنطقة، وفقاً لما ذكرته الباحثة جين نيكول، موضحةً «إذا نظرتم الى مساحات التعداد فإن أعمق مظاهر الفقر في ولاية كارولينا الشمالية يقع في وسط أهم المدن، بما في ذلك شارلوت وجرينسبورو وونستون-سالم ورالي».
والواقع أن الفقر المُركز أصبح مشكلة ملحّة في شارلوت، وتظهر بيانات مؤسسة بروكينغز أنه في عام 2000، بلغت معدلات الفقر 40% أو أكثر، في مناطق التعداد، بمدينة شارلوت. وقد ارتفعت هذه النسبة 10% بحلول عام 2012.
متطلبات يومية
تعتبر لاتاشا هانت (36 عاماً)، مثالاً على ما يعنيه نقص «رأس المال الاجتماعي». فقد نشأت في شمال شارلوت، بعيداً عن ثروة الجانب الجنوبي للمدينة. كان أداء والديها مقبولاً، فقد كانت والدتها تعمل في مجال التصنيع، في حين عمل والدها في المؤسسات التعليمية. ولكن عندما كانت تكبر، لم تصادف أحداً ممن ارتاد الجامعة أو عمل في المجالات المالية. وتقول هانت: «لم يذهب أحد تقريباً في مدرستي الثانوية إلى الكلية، فقد انتهى كلهم بالحصول على عمل مع انتهاء المرحلة الثانوية، في حين انتهى الأمر بالعديد من زملائي في السجن». ولم تذهب هانت إلى الكلية ولا شقيقاها اللذان يعملان حالياً في الحلاقة، وقالت إنها تعمل الآن في خدمة العملاء في جهة محلية غير ربحية. وأضافت هانت أنها لا تعتقد أنها أفضل حالاً من والديها «جيلي يكافح أيضاً.. نحن نعمل كل يوم، وكأننا نعمل فقط لدفع ثمن المتطلبات اليومية».
هانت هي أم وحيدة، ما يخلق تحديات فريدة من نوعها، وتقول إنها تجد صعوبة بالغة برعاية طفلتها والعمل في وظيفة بدوام كامل. وتواجه العديد من النساء الأخريات في شارلوت مشكلات مماثلة. وفي ولاية كارولينا الشمالية، يعيش 65% من الأطفال الأميركيين من أصل إفريقي في عائلات يوجد فيها أحد الوالدين فقط، وفقاً لمركز بيانات «كيدس كونت». وتقول شاميل جاكسون، التي انتقلت من فيلادلفيا، إنها فقدت وظيفتها في شارلوت بسبب «أمور تتعلق برعاية الأطفال»، إذ كانت كثيراً ما تتأخر عن مواعيد العمل، لأنها تضطر إلى أخذ أطفالها إلى المدرسة أو حضور اجتماعات المعلمين مع الآباء، وأحياناً تتأخر لتقديم الرعاية اليومية لعائلتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news