المرصد
رحيل إعلامي 1967
في مصادفة لافتة للنظر، رحل مؤسّس إذاعة «صوت العرب» والإعلامي الناصري الأشهر، أحمد سعيد، عشية ليلة الخامس من يونيو 2018، في الليلة والشهر نفسهما اللذين ارتبط بهما اسمه بهزيمة 1967 منذ 51 عاماً.
حمّلت الجماهير المصرية والعربية أحمد سعيد ما لم يحتمل، وهو وزر هزيمة 1967، رأسه برأس الجنرالات والقادة الذين قصّروا وأخفقوا، ولم تشفع له كل الحجج التي أبداها، مثل قوله إنه «كان ينفذ الأوامر»، أو أنه «أوقف بيانات عسكرية أخرى كانت تتحدث عن النصر»، أو أنه «ابن ثورة يتعدى دوره فيها دور الإعلامي التقليدي».
كان التحامل الجماهيري العربي رغم عاطفيته وعدم موضوعيته، يمتلك مبرره القوي، فالهزيمة كانت مرة وقاسية، والجرح أضيف إلى الإهانة، كما يقول المثل الإنجليزي، والكذب وعدم المصارحة بالحقائق كان الأساس الذي بنيت عليه منظومة كاملة من الوهم والتضليل.
لم يكن الراحل أحمد سعيد شخصاً تافهاً أو انفعالياً أو جعجاعاً، كما تخيله البعض أو صوره خصومه، فقد كان، كما كشفت مذكراته التي كتبها الصحافي ممدوح دسوقي، صاحب قضية، فقد امتلك الرجل تاريخاً صحافياً مهماً، بدأ قبل 1952 في مؤسستي «أخبار اليوم» و«الهلال».
كما امتلك سجلاً إذاعياً وطنياً كبيراً، حيث قدم برنامجاً بعنوان «تسقط معاهدة 1936»، وبرامج إذاعية من منطقة القناة عام 1951، وقد التحمت هذه المسيرة بترؤسه صوت العرب 1953، وإذاعته انطلاقة ثورة الجزائر 1954، واستضافته فيروز والرحباني لتسجيل أغانٍ عن فلسطين، سجل تاريخي كبير وحافل دفع بريطانيا إلى الاعتراض على دخوله أراضيها عام 1965 بإجماع مجلس العموم، بوصفه محرضاً ضد الجنود الإنجليز (الاستعماريين).
كان أحمد سعيد علاوة على ذلك صاحب وجهة نظر مستقلة، فقد رفض في عام 1976 ما سمي بـ«مبادرة تيتو» للصلح مع إسرائيل، ودفع ثمن هذا الرفض غالياً، كما كانت له مواقف وملحوظات على الناصرية ذاتها، رغم أنه ابن التجربة، وحتى في عام 1967، وحسبما ذكر في حوارات صحافية، كان هو الذي اتخذ قراراً بوقف «البيانات الزائفة»، رغم أن شخصيات جهات رسمية أحجمت عن ذلك.
رغم كل هذا، وربما بسببه، يتبقى من ذكرى أحمد سعيد الدرس أن مهمة الإعلامي الوحيدة هو الالتصاق بالحقيقة أياً ما كان لطفها أو بشاعتها، وأنها تسمو عن أي مبدأ أو فكر أو آيدلوجيا يتصورها الإعلامي، بل إنها هي في حد ذاتها هي المبدأ، وأن الرأي العام مهما صفق لك حين تغازل عواطفه، لكنه أول من يطالب برأسك لحظة اكتشاف أنك كنت شريكاً في خداعه، وأنه في لحظة التباس الأمور عليك، إما أن تقول الحقيقة أو تصمت.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news