الاحترار الكوني والتيار النفاث وتذبذب الأطلسي.. عوامل مسؤولة
العالم يحترق مع ارتفاع درجات الحرارة
يشهد العالم هذا الصيف ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، ما أدى إلى نشوب حرائق في بعض المناطق من العالم، ليس هذا فحسب، بل نشبت تلك الحرائق في مناطق داخل الدائرة القطبية الشمالية المعروفة بثلوجها، وحدث جراء ارتفاع درجات الحرارة وفيات في دول عدة. ويعزو معظم العلماء السبب في ذلك إلى الاحترار الكوني، إلا أن بعضهم يرى أسباباً أخرى. الأسبوع الماضي، اتخذت السلطات في السويد خطوة غير مسبوقة عندما وجهت نداءً من أجل مساعدة دولية على التصدي لحرائق الغابات التي انتشرت عبر البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، فبعد أشهر من عدم هطول الأمطار، تلتها أسابيع من ارتفاع درجات الحرارة، أصبحت غابات البلاد عبارة عن براميل بارود. وبحلول نهاية الأسبوع الماضي، انتشر أكثر من 50 حريقاً في الغابات. هذه البلاد المعروفة ببرودة جوها وثلوجها الدائمة وجدت نفسها فجأة غير قادرة على التعامل مع الحرائق التي تقع داخل حدودها.
وتسببت موجات الحرارة الشديدة والممتدة عبر الكثير من نصف الكرة الشمالي في حدوث خلل ودمار في أميركا الشمالية، والقطب الشمالي، وشمال أوروبا وإفريقيا، حيث شهدت كل هذه المناطق درجات حرارة قياسية. وسجلت محطة الطقس في ورقلة بالجزائر درجة حرارة بلغت 51.3 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة تم التثبت بشأنها في إفريقيا. وفي اليابان، حيث وصلت درجات الحرارة إلى أكثر من 41 درجة مئوية، وحثت السلطات الناس الأسبوع الماضي على اتخاذ الاحتياطات اللازمة بعد وفاة 30 شخصاً مع آلاف آخرين نقلوا للعلاج في المستشفى لظروف متعلقة بارتفاع الحرارة. وفي ولاية كاليفورنيا، أدى تزايد استخدام وحدات تكييف الهواء التي تم تشغيلها لمواجهة ظروف الطقس الحار هناك إلى نقص في الطاقة الكهربائية. وشعرت كندا بأغرب تأثير للحرارة الشديدة، حيث تجاوزت درجات الحرارة في تورونتو 30 درجة مئوية خلال 18 يوماً هذا العام، مقارنة بتسعة أيام من الفترة نفسها في الصيف الماضي. ومات العشرات من الحرارة الشديدة، وغمرت الجثث مشرحة مونتريال، وكان لابد من تخزين العديد من الجثث في أماكن أخرى من المدينة. وتقول الطبيبة الشرعية في مونتريال، جين بروشو، إنها المرة الأولى التي تغص فيها مشرحة المدينة بهذه الطريقة. كما أن الطقس الحار في بريطانيا صهر سطح مركز العلوم في غلاسكو، وحرق الأعشاب في المنازل التاريخية بالبلاد، واستقطب عناوين الأخبار العادية في المملكة المتحدة.
وتشكل موجة الحر الحالية قضية تؤثر على مساحات شاسعة من كوكب الأرض، وتسبب قلقاً عالمياً. والسؤال الذي يبحث عن إجابة هو: لماذا تعاني الكثير من مناطق الكرة الأرضية الطقس شديد الحرارة؟ ما الذي يتسبب في حرائق الغابات، وارتفاع درجات الحرارة التي تحرق أسطح المنازل؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها كما يقول العلماء، فهي مثل الطبيعة المعقدة لأنظمة الطقس على كوكب الأرض. ويشير معظم العلماء إلى عدد من العوامل على الرغم من أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي المرشح الأكثر وضوحاً. ويحذر آخرون من أنه سيكون من الخطأ المبالغة في تقدير دورها في موجات الحر الحالية.
ويقول عالم المناخ بجامعة بريستول، دان ميتشل: «نعم، من الخطأ ألا نعتقد أن تغير المناخ يلعب دوراً في ما يحدث حول العالم من ارتفاع للحرارة في الوقت الحاضر»، ويمضي قائلاً: «لقد كان هناك بعض التطرف الملحوظ في الأسابيع القليلة الماضية، ومع ذلك يجب ألا نبالغ في تأثير التغير المناخي لأن من الواضح أيضاً أن هناك تأثيرات أخرى تعمل». ومن بين هذه العوامل الأخرى ما يسمى بالتيار النفاث، وهو نوع من الرياح القوية التي ترتفع عن سطح الأرض قرابة خمسة إلى سبعة أميال، والتي تهب من الغرب إلى الشرق وتوجه الطقس حول العالم. في بعض الأحيان عندما تشتد هذه الرياح تجلب العواصف العاتية، وفي حالات أخرى عندما تكون ضعيفة يسود الهدوء والاستقرار الكرة الأرضية. ويضيف ميتشل: «إن التيار النفاث الذي نشهده حالياً ضعيف للغاية، ونتيجة لذلك فإن مناطق الضغط العالي الجوي تستمر فترة طويلة في المكان نفسه».
العوامل الأخرى التي تخلق الظروف الجوية المسببة لمثل هذه الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية تتمثل في التغييرات الكبيرة في درجات حرارة سطح البحر في شمال المحيط الأطلسي، وهي جزء من ظاهرة تعرف باسم «تذبذب شمال الأطلسي».
حالة مشابهة
الوضع يشبه إلى حد كبير الحالة التي شهدها العالم في عام 1976، عندما كان هناك درجات حرارة محيطية مشابهة في الأطلسي وتيار نفاث لا يتغير تمخض عن مناطق كبيرة من الضغط العالي فترات طويلة. ومع ذلك، هناك اختلاف مهم واحد بين عام 1976 واليوم، كما يعتقد مدير البحوث في وحدة البحوث المناخية بجامعة إيست أنجليا، البروفيسور تيم أوزبورن، فمنذ عام 1976 كان لدينا عقود عدة من الاحترار العالمي الناجم عن ارتفاع انبعاثات الكربون، التي رفعت بالتالي درجات الحرارة العالمية الأساسية بشكل كبير. ومع استمرار ارتفاع انبعاثات الكربون في العالم ومع التوقعات التي تشير إلى أن درجات الحرارة العالمية لن تنخفض خلال هذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين قليلا فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، فمن المرجح أن ترتفع موجات الحرارة بشكل واسع، وتصبح أكثر تكراراً كما يحذر العلماء.
• تسببت موجات الحرارة الشديدة والممتدة عبر الكثير من نصف الكرة الشمالي في حدوث خلل ودمار في أميركا الشمالية وشمال أوروبا وإفريقيا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news