«حق الخداع الصحافي»
هل السبق الصحافي يبرر حق الصحافي في إخفاء هويته أو جنسيته للحصول على تصريحات؟ هل من حقه التنكر في هيئة اجتماعية أو زيِّ مهنة أخرى، للوصول إلى معلومة؟ هل من حقه نشر «دردشة» مع المصدر خارج التسجيل (آوت أوف ريكورد)، أو كتابة سطور لا يقرها المصدر كمقدمة لحواره، أو حتى إخفاء الأسئلة التي حصل بموجبها على إجابات معينة من المصدر؟
هذا نقاش قديم.. لكنه يتجدد الآن على مدار الساعة.
في الأسبوع الماضي، حدثت واقعتان مهمتان لاتزال ردود أفعالهما تتوالى: الأولى تخص إسرائيل وحركة (حماس)، والثانية تخص الممثلة الأميركية «دور باريمور»، ومجلة «حورس» المصرية.
في الحالة الأولى قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنها أجرت، ولأول مرة، حديثاً مع القيادي في حركة «حماس» يحيى السنوار، نسبت فيه إليه قوله إنه «لن يقاتل بعد ذلك»، وإن «الحرب ليست في مصلحة الفلسطينيين، ولا تحقق شيئاً»، وإنه «ليس هناك - يقصد فلسطينياً – من له رغبة في مواجهة دولة نووية بأربعة مقاليع»، وإنه «يرى الآن فرصة للتغيير».
التصريحات - تختلف معها أو تتفق - تعكس إن صدقت تغيراً جذرياً في موقف «حماس»، وما عرف من تحفظات على المسار الدبلوماسي كطريق وحيد للحل، وتعريفها ومفهومها لفكرة المقاومة.
وبغض النظر عن أن مكتب السنوار أصدر بياناً، شمل تصحيحات وتوضيحات مهمة لما ذكرته «يديعوت أحرونوت» يقترب بعضها من نفي المنشور، إلا أن الأهم هو أن مكتب السنوار نفى أنه التقى «أحرونوت» أو صحافية تمثلها، كما شدد على أن الصحافية صاحبة الحوار «ليست إسرائيلية ولا يهودية، ولا تعمل في (أحرونوت)»، وأنها «مراسلة صحيفة لاريببليكا» الإيطالية، وطلبت إجراء حوار مع السنوار، على أن ينشر في «غارديان» البريطانية، وأنها لم تُجرِ الحوار محل الجدل وجهاً لوجه، وإنما أرسلت للسنوار الأسئلة، وتلقت الإجابات إلكترونياً.
وبالطبع، فإن هذا التوضيح - إن ثبتت دقته - يصنع فارقاً ضخماً في القصة، لأن «السمكة الكبرى» في الحوار هي أن «حماس» التقت صحافية إسرائيلية (ما يعني شبه اعتراف بإسرائيل)، وأن تصريحات قادة «حماس» بدأت في التراجع.
القصة نفسها تكررت لكن بشكل آخر، في الأسبوع ذاته، في حوار مع مجلة «حورس» المصرية، والممثلة الأميركية دور باريمور.
فقد نشرت المجلة المصرية حواراً مثيراً مع باريمور، قال قريبون منها إنه لم يقع أصلاً، وقال آخرون إنه احتوى على عبارات في المقدمة لم توافق عليها الممثلة الأميركية، وإن نشر الحوار بهذه المقدمة يصبغه بالرأي الذي يريده الصحافي.
مجلة «حورس» دافعت عن نفسها، وقالت إن الحوار أجرته صحافية محترفة هي الدكتورة عايدة تكلا، ومسألة وقوعه لا يشوبها أي شك، لكنها تركت الباب موارباً في نقاش المقدمة، وهي نقطة «سجالية»، قد يرى البعض أنها - أي المقدمة - من حق الصحافي أن يكتبها كما يشاء، ويرى البعض الآخر أنها جزء لا يتجزأ من حوار المصدر.
في الحالتين فإن ترسيم الحدود بين «الصحافي» و«المصدر» في الحوار تعاد موضعته كل ساعة، لصالح مزيد من تأكيد حق المصدر في عدم تلوين كلامه، ونقل ما يقوله بالحروف والصياغات نفسها، وأجواء وملابسات ما قاله فيه، دون مقدمات أو مؤثرات، كما أن من حق المصدر أن يعرف هوية الصحافي كاملة، ويرفض محاورته إذا كانت له عليه اعتراضات.
عالم التواصل الذي نعيشه لم يعد يسمح للصحافي سوى بأن يقول «سين»، فيرد المصدر «جيم» بوضوح، دون أدنى حق للصحافي في أي مؤثر أو التباسات خداعية.