«سي.إن.إن» لا تحب «من النهر إلى البحر»
أقدمت فضائية «سي.إن.إن» الأميركية، أخيراً، على فصل المعلق الأميركي الأسود، مارك لامون هيل، بسبب خطاب له أمام الأمم المتحدة في «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»، ندد فيه بإسرائيل وإنكارها «حقوق المواطنة لغير اليهود»، ودعا فيه إلى «العدالة وفلسطين حرة من النهر إلى البحر».
ولم تمضِ ساعات على إلقاء «هيل» هذا الخطاب، في هذه المناسبة التي تكاد تكون بروتوكولية وهدفها ذر الرماد في العيون، ومن شخص لا حول له ولا قوة، حيث إنه مجرد ممثل لمنظمة مجتمع مدني، حتى انقلب العالم رأساً على عقب، وبدأت رحلة تفتيش الأوراق في سجل هيل، تمهيداً لاغتياله المعنوي.
مارك لامون هيل، لحسن الحظ، يمتلك سجلاً يتمناه ويفاخر به كل أميركي، فهو واحد من أبرز 30 أميركياً أسود ناجحاً، بحسب مجلة «البوني»، وأستاذ جامعي مرموق، ومؤلف لعدد من الكتب المهمة أبرزها كتاب «الفصل والزنزانة: حديث عن حياة السود في أميركا»، ومؤسس لحركة «5 مايو» لتعليم الشباب الأميركي حقوقهم القانونية، وصاحب ثلاث مبادرات ناجحة: الأولى لمحو الأمية عن طريق موسيقى الهوب هوب، والثانية لمكافحة الإدمان، والثالثة لتعليم الكبار، وفوق هذا كله هو صاحب برنامج تلفزيوني اسمه «عالمنا في المؤسسات السوداء».
لكن ما لم يجده مترصدو مارك هيل في سجل حياته، وجدوه في الخطاب، فقد اكتشفوا أن هيل قد قال إن «الأميركيين السود لم يناضلوا فقط على طريقة غاندي كما تروج ذلك الأساطير الغربية، وإنما مزجوا بين طريق غاندي وطريق مارتن لوثر كنغ، لذا علينا أن نعطي الفلسطينيين الحق ذاته»، كما أن عبارة «من النهر إلى البحر»، كما اكتشف جهابذة الترصد، عبارة استخدمها الفلسطينيون منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، لتعني تدمير وإنهاء إسرائيل.
المنظمات الصهيونية المناصرة لسياسات العسف والعدوان الإسرائيلي، لم توفر وقتاً أو جهداً، فدخلت على الخط، حيث أصدرت «لجنة مكافحة التشهير» اليهودية الأميركية بياناً، قالت فيه إن عبارات هيل «مدمرة»، وعبارة «من النهر إلى البحر» بالذات «تدعو إلى استئصال إسرائيل». أما الدبلوماسي الإسرائيلي السابق دان شابيرو، فقد وصف «من النهر إلى البحر» بأنها عبارة «مثيرة للاشمئزاز».
الحملة المبالغ فيها، وتحويل يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى يوم للتضامن مع الاحتلال الإسرائيلي، استنفرا أصواتاً أميركية وشرفاء أميركيين من بينهم يهود.
النائبة الأميركية الفلسطينية في الكونغرس، رشيدة طالب، كتبت على حسابها على «تويتر»: «أن يحصل الفلسطينيون والإسرائيليون معاً على السلام والحرية ليس معناه معاداة السامية، التنديد بسياسات إسرائيل القمعية، والدعوة إلى احترام حقوق الفلسطينيين ليسا معاداة للسامية، لدينا جميعاً الحق في أن نرفع أصواتنا ضد الظلم في كل مكان».
رئيس المعهد العربي الأميركي، جيمس زغبي، وصف الفصل بأنه «فضيحة»، أما الإعلامي الأميركي اليهودي، ديف ديزين، فقد كتب على حسابه: «أنا يهودي لكنني متضامن بالكامل مع مارك، معاداة السامية الحقيقية هو الاعتقاد أن اليهود هو عقل واحد، ذلك العقل الذي تسير به اسرائيل الآن، ويمارس المعاملة الفظيعة التي نراها ضد الفلسطينيين».
التواصل الاجتماعي وسيلة إعلام من لا إعلام له، أطلق حملة ضد تعسف «سي.إن.إن»، مستغرباً أن الفضائية التي تناطح رئيس دولة هو دونالد ترامب، توخياً لما تعتقد أنه الحقيقة، تفصل معلقاً بسبب اعتقاداته الخاصة بالحقيقة، ودفاعه من وجهة نظره عن شعب مغلوب على أمره، فذكر تعليق أن علم إسرائيل ذاته، الذي يحتوي على نجمة داوود وخطين أزرقين، يعني حرفياً: «اليهود وحدهم من النهر إلى البحر»، وآخر ذكرها «أن أبرز معلقي (سي.إن.إن) الدائمين النائب الجمهوري ريك سانتورم، لا يؤمن أصلاً بوجود الشعب الفلسطيني».