قضية «هواوي» فصل جديد في حرب خفية بين الصين والغرب
لم يكن اعتقال مديرة العمليات المالية وابنة مؤسس شركة «هواوي»، منغ وانزو، مفاجأة في ظل الاحتقان الشديد بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، والصين من جهة أخرى. لقد كان عملاق التكنولوجيا الصيني محل انتقاد كبير من قبل رواد تقنية الاتصالات في العالم، فالمخاوف الأمنية وتهم التجسس بدأت منذ بداية ازدهار أعمال الشركة.
ومنعت بعض الحكومات الغربية شركات الاتصالات المحلية من استخدام أجهزة «هواوي» بسبب المخاوف الأمنية، وتقول إنها تمثل خطراً حقيقياً. قد يكون التهديد الأمني صحيحاً، لكن الأكيد أن هذا النوع من التهديد لا يقتصر على أجهزة هذه الشركة، التي استحوذت على 15% من السوق العالمية، كما أن مبيعاتها من الهواتف الذكية تجاوزت الشركة الأميركية العملاقة «أبل». وقد يكون هذا التفوق هو السبب الرئيس ضمن قائمة الأسباب والاتهامات التي توجه للشركة الصينية من قبل منافسيها الغربيين.
كيف استطاعت «هواوي» أن تتغلب على عملاق التقنية في غضون سنوات قليلة؟ المحاذير الأمنية واقعية ويجب التعامل معها في زمن «أجهزة الاتصالات الذكية»، ولا يمكن أن تكون تهمة «التجسس الرقمي» مبررة لفرض عقوبات وحظر استيراد المنتجات. وقد يرى البعض في ذلك تفوقاً للتقنية الصينية على حساب منافستها الغربية، التي عجزت عن مواجهة التهديد وكشفه بالطرق الحديثة المتاحة لديها.
توقيف منغ وانزو في كندا، بموجب مذكرة اعتقال أميركية، ربما سيسكب المزيد من الزيت على نار المنافسة المشتعلة منذ سنوات بين الجانبين. التهم الموجهة لابنة مؤسس «هواوي» ما هي إلا ذريعة لمحاولة كسر شوكة عملاق التقنية الصيني، قد لا تنجح في ظل إصرار بكين على المضي قدماً في قلب موازين القوى العالمية.
يقول الأميركيون إن التقنية التي تتحكم في شبكات الاتصالات الحيوية تمنح «هواوي» القدرة على الوصول إلى البيانات، أو قطع الاتصالات في حال نشوب أي نزاع مستقبلي، فمعظم الأجهزة أصبحت مرتبطة بشبكة الإنترنت. لقد باتت الدول التي تستخدم أجهزة «هواوي» قلقة بسبب هذه المخاطر، وتحاول التعامل معها بشتى الطرق. وتشير الولايات المتحدة إلى الخلفية العسكرية لمؤسس «هواوي»، وتنامي دور الشركة عالمياً، للترويج لفكرة أنها تمثل تهديداً للأمن القومي.
وتقول مصادر في واشنطن إن الحكومة الأميركية تفكر في زيادة المساعدات المالية، لتطوير الاتصالات في الدول التي تتجنب المعدات الصينية الصنع. كما أنها تدرس كيفية دعم شراء وصيانة المعدات غير الصينية من قبل حلفائها. ومن بين الشواغل الرئيسة التهديدات المرتبطة باستخدام معدات الاتصالات الصينية في البلدان التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية، مثل إيطاليا واليابان وألمانيا.
في الواقع، تبدو المزاعم الأميركية والغربية غير مبررة، لأن هذه الدول نفسها تحاول الوصول إلى بيانات المستخدمين والمؤسسات الصينية، وقد صرح مسؤولون أميركيون بأن واشنطن تطور وسائلها للرد على الاختراقات الصينية والروسية. وهذا يعني أن التجسس الرقمي هو بمثابة «الأمر الواقع» في العالم الافتراضي. إنها حرب تدور في الخفاء بين العملاق الصيني والغرب، ولا يظهر في وسائل الإعلام سوى قمة جبل الجليد، أما ما خفي فهو أعظم!