صورة ينتظرها السودانيون
الثقافة البصرية أصبحت حياة الناس، ومؤشر تطورهم المعرفي، ونبض إعلامهم، فالخبر بلا صورة مهما بلغت درجة مصداقيته وموثوقيته، هو «خبر إلا قليلاً»، وثورة السودان تقدم دليلاً إضافياً على ذلك.
فمنذ اليوم الأول لتطورات أحداث الثورة السودانية وكل صورة تؤشر لمعنى ومرحلة، «صورة الكنداكة آلاء صلاح» وثقت لدور المرأة وتصدرها للتظاهرة، «صورة قطار عطبرة» الأسطورية، وثقت لتضامن الأطراف مع المركز، ولشعبية الثورة ولاعتزاز محطة انطلاقها بها، «صورة الطفل الذي كان يبيع التسالي»، والتي وزعها مجاناً على المتظاهرين وثقت لتعاطف بسطاء الناس مع الثورة، وفي هذا الإطار، هناك صورة مرسومة في الأخيلة، ولم تتنزل بعد على الواقع، وهي صورة الرئيس المعزول عمر البشير في الاحتجاج.
فقد بثت مصادر مختلفة خبر اعتقال البشير في اللحظة الأولى للثورة، فلم يروِ ذلك عطش الناس، ثم بثته «رويترز»، فتحول عموم الناس، كما في كل أزمة سياسية، إلى خبراء استراتيجيين على أعلى مستوى، وقالوا إنه رغم أن «رويترز» وكالة أنباء عالمية، ومصداقيتها فوق كل اعتبار، ورغم أن الخبر طبقاً للتعريف الاكاديمي هو «ما أكده أكثر من مصدر»، ورغم أن «رويترز» نقلت الخبر عن مصدرين، إلا أن المصدرين مجهلان، كما أنهما من عائلة البشير.
نقاش مثمر حقيقة في إطاره المجرد، وسينتقل بعد نهاية الثورة السودانية إلى كتب كليات الإعلام، كما سينتقل الى المهتمين ببحوث الرأي العام، بحث تلك الحالة من إلغاء المسافة بين رجل الشارع والخبير المتخصص في الاحداث السياسية الكبرى، خاصة في عالمنا العربي الذي يحول فيه الملايين بقدرة قادر الى خبراء استراتيجيين في تلك الأحداث، وقد شاهدنا ذلك في حرب الخليج وفي الربيع العربي وغيره.
المجلس العسكري، لم يغب عنه شغف الناس بمصير الرئيس المعزول، فألقى القبض على شقيقين للبشير، ثم كشف النقاب عن إخفائه - أي البشير - لمخزن عملات بمنزله يضم ملايين الدولارات، ثم مضى المجلس العسكري في الشوط أبعد من ذلك، فحجزت النيابة العامة عقارات وأرقام قطع سكنية درجة أولى وثانية وثالثة بمناطق: الراقي، الشاطي، الاندلس، جبرة الجريف غرب، السوق المحلي، اللاماب، نبتة، كافوري، باسمه واسم أشقائه وشقيقاته وزوجتيه، ونائب الرئيس السابق علي عثمان محمد طه، وعلي كرتي، وإبراهيم أحمد عمر، والصحافي حسين خوجلي، واسحاق أحمد فضل الله.
كما حوى كشف الحجز 22 اسماً من دائرة البشير ودائرة أنصاره، تضمن أشقاءئه وشقيقاته وزوجتيه وشقيقات وداد زوجته وأبناء أشقائه، بجانب مامون حميدة، وبكري حسن صالح، والفاتح عزالدين، وعبدالرحيم محمد حسين.
وقد استقبل السودانيون كل هذا بالترحاب، لكن كل هذا لم يمنع الأصوات في الميدان وعلى صفحات «فيس بوك»، وفي المواقع الإلكترونية من أن تصيح، «رائع.. ولكننا نريد الصورة»، سقوط صدام حسين الفعلي كان صورة، مقتل القذافي كان صورة، محاكمة حسني مبارك كانت صورة.. نحن في «عصر الصورة» أصدق إنباء من الكتب.
مصادر عسكرية أعلنت منذ أيام أنه يتم التجهيز لنقل تغطية خبرية بالصوت والصورة للبشير ومعاونيه من داخل سجن كوبر، كما نقلت وكالات. هي خطوة ينتظرها الملايين لتبادلها على موبايلاتهم، وينتظرها الإعلاميون الذين يحلمون بمزيد من الموثوقية لأخبارهم، وينتظرها التاريخ ليؤكد تسجيل بداية مرحلة جديدة في تاريخ السودان في زمن الصوت والصورة.