رؤساء أميركيون واجهوا خطر المساءلة والإقالة من مناصبهم
يحتمل أن يخضع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لمحاكمة برلمانية، والتي ربما تؤدي إلى عزله من منصبه، بعد أن ضغط في مكالمة هاتفية في 25 يوليو على نظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، كي يحقق في أنشطة نائب الرئيس الأميركي السابق ومنافسه المحتمل في الانتخابات المقبلة، جو بايدن وابنه هانتر. وإذا ما ثبت ذلك فإن ترامب يكون قد تدخّل في مسار الانتخابات المقررة العام المقبل، من خلال طلبه من أوكرانيا التحقيق في أنشطة منافسه. من جانبه، أكد رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي، آدم شيف، أن ترامب حنث بالقسم الذي أداه في الرئاسة عندما طلب من الصين أيضاً التحقيق مع أنشطة بايدن. وقال شيف إن «رئيس الولايات المتحدة يشجع دولة أجنبية على التدخل مجدداً لمصلحة حملته الانتخابية، من خلال طلبه منها التحقيق مع منافسه، وهذا حنث خطير بالقسم كرئيس، ومن شأنه أن يعرض انتخاباتنا وأمننا القومي للخطر».
تدابير المساءلة
إذا كان ترامب سيخضع لمحاكمة برلمانية تحدد مصير مستقبله، بعد أن أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، فتح تحقيق تمهيداً لعزله، فقد خضع من قبله رؤساء أميركيون لهذه التدابير نفسها، بيد أن أياً منهم لم يخضع للعزل حتى الآن، على الرغم من أن مثل هذه الاجراءات غير مستحيلة. وفي التاريخ الأميركي الحديث خضع عدد من الرؤساء للمساءلة، من بينهم أندرو جونسون، وبيل كلينتون، وجون تايلور وريتشارد نيكسون، لكن لم يتمخض ذلك عن إقالة أي منهم عن منصبه، ومع ذلك، ليس من المستبعد أن يخضع ترامب للإقالة.
ولكي يخضع للاتهام والمساءلة، يجب أن يكون الرئيس أو أي مسؤول اتحادي آخر قد اقترف ما يصفه الدستور بأنه «خيانة أو رشوة أو غيرهما من الجرائم والجنح الكبيرة»، وقد تعتمد تدابير مساءلة الرئيس على مدى رغبة أعضاء حزبه في الانقلاب عليه، وما إذا كان هناك عدد كافٍ من أعضاء الكونغرس يعتقدون أن محاولة إزاحة الرئيس تستحق مخاطرة فقدان الكونغرس للدعم الشعبي.
محاكمة الرئيس ليست هي الخطوة الوحيدة لعزله من منصبه، لكنها في الواقع الجزء الأول من عملية ذات شقين. ولإقالة مسؤول، يجب على مجلس النواب إجازة مادة المساءلة، والتي توجه الاتهام رسمياً للرئيس بسوء السلوك. وبمجرد إجازة مجلس النواب لهذه المادة، يجب على مجلس الشيوخ إجراء المحاكمة لتحديد ما إذا كان ينبغي عزل الرئيس من منصبه أم لا.
أول محاكمة لرئيس أميركي
مهدت الظروف التي نتجت عن الحرب الأهلية الأميركية السبيل أمام بدء أول إجراءات لمحاكمة رئيس أميركي، وهو الرئيس أندرو جونسون، الذي خلف الرئيس أبراهام لنكولن بعد اغتياله. كان جونسون ديموقراطياً موالياً للاتحاد، رفض انفصال ولايته تينيسي عن الاتحاد خلال الحرب. ومع ذلك، كان عنصرياً فضل اتباع نهج متساهل في إعادة توحيد الولايات المختلفة. وظل مشتبكاً مع الكونغرس طوال فترة ولايته، حيث استخدم حق النقض (الفيتو) ضد مشروعات القوانين التي شعر أنها قاسية للغاية بالنسبة للجنوب، بما في ذلك القوانين المسماة بـ«مكتب فريدمان»، التي منحت الجنوبيين النازحين، بمن فيهم الأميركيون من أصل إفريقي، حق الحصول على الغذاء والمأوى والمساعدات الطبية والأراضي، وهذا النهج وضعه على خلاف مع الكونغرس. وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما استبدل وزير الحرب، إدوين ستانتون، الذي عينه لنكولن، والذي وقف إلى جانب الجمهوريين الراديكاليين، وهم فصيل من الحزب فضل منح الأفارقة الأميركيين المحرَرِين حقوقهم المدنية.
أصدر الكونغرس 11 مادة للمساءلة، زعمت أن جونسون انتهك قانون الفترة الرئاسية، وهو قانون يهدف إلى الحد من السلطات الرئاسية للرئيس، التي تخوله طرد الموظفين الفيدراليين من مناصبهم واستبدالهم بآخرين دون استشارة مجلس الشيوخ. وأدان أكثر من ثلثي مجلس النواب جونسون، وتم رفع القضية إلى مجلس الشيوخ لإجراء المحاكمة. وبعد سنوات من ذلك، قررت المحكمة العليا أن هذه الإجراءات غير دستورية.
لماذا ظل جونسون في منصبه؟
عندما خضع للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، نجا جونسون من العزل من الرئاسة بصوت واحد، بعد أن قرر سبعة جمهوريين التصويت مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لإبقائه في منصبه. وجادل الدفاع بأن جونسون لم يعين وزير الحرب ستانتون في المقام الأول، ما يعني أنه لم ينتهك قانون الفترة الرئاسية. وزعم الدفاع أيضاً أن جونسون كان ينوي رفع هذا القانون أمام المحكمة العليا. ويقول المؤرخ، هانز تريفوس، إن أعضاء مجلس الشيوخ الذين صوتوا ضد الإقالة اعتقدوا أن جونسون خضع للمحاكمة لأسباب سياسية، ويقول إن «ضعف القضية أقنع الكثيرين بأن التهم كانت سياسية إلى حد كبير، وأن انتهاك قانون الرئاسة لا يشكل جريمة ولا انتهاكاً للدستور، ولكن اتخذه المعارضون ذريعة لطرد جونسون من منصبه». أرست هذه المحاكمة سابقة قانونية كبرى بشأن مساءلة الرؤساء مستقبلاً، وهي أنه لا ينبغي إقالة الرؤساء لأسباب سياسية، إلا إذا ارتكبوا، كما ينص الدستور «جريمة الخيانة أو الرشوة أو غيرهما من الجرائم الكبرى والجنح».
لماذا نجا كلينتون من العزل؟
مثله مثل جونسون، أثار الرئيس السابق، بيل كلينتون، الكثير من الغضب في الكونغرس، بعد أن أصبحت علاقته بمتدربة البيت الأبيض السابقة، مونيكا لوينسكي، علنية في يناير 1998. ونفى كلينتون في البداية أمام محققين اتحاديين - والجمهور - أن تكون لديه «علاقات غرامية» معها. زعمت مواد المساءلة بأن كلينتون استنكر نفسه بالكذب على المحققين حول علاقته بلوينسكي. قالوا أيضاً إنه عرقل العدالة بتشجيع موظفي البيت الأبيض على إنكار هذه القضية. عززت نتيجة محاكمة كلينتون مفهوم عدم عزل الرؤساء من مناصبهم إلا في ظروف محددة فقط. فبينما وافق العديد من أعضاء مجلس الشيوخ على أن كلينتون تصرف بشكل سيئ، قرروا في النهاية أن سوء سلوكه لم يرقَ لمستوى «الجرائم الكبرى والجنح» التي نص عليها الدستور بشأن عزل الرئيس.
ويقول الأستاذ بجامعة نورث كارولينا، مايكل جيرهاردت، المتخصص في القانون الدستوري: «لقد وجد الكثير من هؤلاء الأشخاص أن كلينتون ارتكب سلوكاً سيئاً، لكن لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة المادية لإدانته». وتقول النائبة الجمهورية، سوزان كولينز، التي صوتت في النهاية ضد الإدانة، إنها لا تعتقد أن كلينتون ارتكب جريمة، لكنه تصرف بشكل سيئ، وتضيف: «أدليت بصوتي لتبرئة الرئيس، لكنني لم يطمئن قلبي بأي حال من الأحوال بشأن إعفاء هذا الرجل من المسؤولية». ويقول خبراء إن الجهود المبذولة لإقالة كلينتون من منصبه كان محكوماً عليها بالفشل، لأن الرأي العام انقلب على إقالة كلينتون من منصبه.
رؤساء واجهوا خطر الإقالة
ومع ذلك فقد تعرض رؤساء أميركيون، أكثر مما توقع البعض، لدعوات من الكونغرس بإقالتهم. كان جون تايلور أول رئيس حاول مجلس النواب إقالته. وكان تايلور قد خلف الرئيس ويليام هنري هاريسون، الذي توفي بعد شهر واحد فقط من تنصيبه، وصوت تايلور ضد تشريع دعمه حزبه المسمى بـ«الويغ»، والذي وعد هاريسون بدعمه. طرد أعضاء الويغ تايلور من حزبهم، وتلقى مجلس النواب التماساً من الحزب يطلب منه إصدار قرار بشأن استقالته. ومع ذلك، لم يتابع الكونغرس في نهاية المطاف عملية المساءلة.
وكان الرئيس ريتشارد نيكسون على شفا تهمة الإقالة، لكن لم يتم في الواقع عزله، على الرغم من تورطه في فضيحة ووترغيت الشهيرة، التي تجسس فيها حزبه على الحزب المنافس. وخلال الفضيحة قدمت اللجنة القضائية بمجلس النواب ثلاث مواد مساءلة ضد الرئيس تتعلق بـ«الجرائم عالية الخطورة والجنح». ومع ذلك، استقال نيكسون من منصبه في 9 أغسطس 1974، قبل أن تتم عملية الإقالة.
إذا كان ترامب سيخضع لمحاكمة برلمانية تحدد مصير مستقبله، بعد أن أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، فتح تحقيق تمهيداً لعزله، فقد خضع من قبله رؤساء أميركيون لهذه التدابير نفسها، بيد أن أياً منهم لم يخضع للعزل حتى الآن، على الرغم من أن مثل هذه الاجراءات غير مستحيلة.
ترامب حنث بالقسم الذي أداه في الرئاسة عندما طلب من الصين أيضاً التحقيق مع أنشطة بايدن.
ترامب ونيكسون.. التاريخ يعيد نفسه
الرئيس السابق نيكسون. غيتي
عقد كاتب العمود بصحيفة لوس أنجلوس تايمز، دولي ماك ماناس، مقارنة بين الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي أراد تحطيم منافسه من خلال تجسسه على حملته الانتخابية في ما عرف بفضيحة ووترغيت، وبين دونالد ترامب، الذي حاول أيضاً النيل من خصمه. ويقول إن نيكسون استخدم في الحملة الرئاسية على الأقل أشخاصاً أميركيين لهذه الغاية، على الرغم من عدم قانونية ذلك، أما ترامب فقد استعان بمصادر خارجية لألاعيبه طالباً من أوكرانيا المساعدة في تدمير نائب الرئيس السابق، جو بايدن. ويضيف: «لا يمكننا إنكار أوجه التشابه في كلتا الحالتين، فقد اتُهم كلا الرئيسين بإساءة استخدام سلطته في محاولة لتعطيل أحد معارضيه الديمقراطيين، وقادت الادعاءات الأولية إلى آخرى، بما في ذلك اتهامات بشأن المساهمات غير القانونية في الحملة الانتخابية الرامية لإعادة انتخاب الرئيس».
الخميس الماضي نشر 17 مدعياً اتحادياً، كانوا قد شاركوا في قضية ووترغيت، رسالة مفتوحة يتهمون فيها ترامب بارتكاب الجرائم نفسها التي أسقطت نيكسون، والتي تتمثل في إساءة استخدام السلطة، وعرقلة العدالة، واحتقار الكونغرس. وكتبوا في صحيفة واشنطن بوست: «يمكن تحديد مواد المساءلة الثلاث نفسها ضد ترامب، حيث إنه مارس انتهاكات جسيمة ومستمرة للسلطة تلبي في رأينا المعايير الدستورية للجرائم العظمى والجنح». وحاول نيكسون العبث بانتخابات عام 1972 عندما كان يسعى للحصول على فترة ولاية ثانية، فأرسل أولاً عملاء سريين لتخريب حملة المرشح الرئاسي، السيناتور إدموند موسكي، أحد المرشحين الديمقراطيين.
في حالة نيكسون، تغيرت مشاعر الرأي العام ببطء، ولم تصل نسبة تأييد عزله إلى 50٪ إلا بعد يونيو 1974، أي بعد عامين من انكشاف ووترغيت. أما في حالة ترامب فقد وصلت استطلاعات الرأي العام إلى تلك النسبة بعد أقل من شهر من إصدار البيت الأبيض نصاً يؤكد ضغط ترامب على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، من أجل التحقيق بشأن أنشطة خصمه بايدن. الأسبوع الماضي كشف استطلاع «فوكس نيوز» أن 51٪ من الجمهور الأميركي يفضل بالفعل طرد ترامب من منصبه.
حاول كلا الرئيسين عرقلة التحقيقات من خلال رفضهما تقديم وثائق للكونغرس والادلاء بشهادة. وفي كلتا الحالتين، ظهرت الشقوق في الجدار بسرعة، وعلى الرغم من مرسوم البيت الأبيض بعدم تعاون أي من مسؤولي إدارة ترامب مع التحقيق بشأن المحاكمة البرلمانية، فقد أدلى العديد من المسؤولين الحاليين أو السابقين بشهاداتهم خلف أبواب مغلقة، مع احتمال تعاون مزيد منهم في المستقبل.
51 %
من الجمهور الأميركي يفضل بالفعل عزل ترامب من منصبه.
ترجمة: ع.خ عن «لوس أنجلوس تايمز»
إجراءات عزل الرئيس
كلينتون لم يحصل على إدانة كاملة وأفلت من العزل. ارشيفية
أولاً، يجب أن يقدم أحد أعضاء مجلس النواب قراراً لمساءلة الرئيس، وعلى رئيس مجلس النواب توجيه لجنة المجلس لعقد جلسة استماع في هذا الشأن، وتحديد ما اذا كان يتم طرح هذه المساءلة للتصويت. وينبغي أن توافق أغلبية بسيطة من اللجنة القضائية على القرار لكي تمضي الاجراءات قدماً، اذا وافقت اللجنة القضائية على هذا القرار فسيتم طرحه للتصويت من قبل كامل أعضاء المجلس، ويخضع الرئيس للمحاكمة اذا تمت الموافقة بأغلبية بسيطة على قرار محاكمته، ويتم رفع هذا الاجراء لمجلس الشيوخ ليقرر ما اذا كان الرئيس قد ارتكب جرماً أم لا، ويرأس جلسات المحاكمة رئيس المحكمة العليا، فإذا ثبت أن الرئيس مذنب فستتم إقالته على الفور، ويحل محله نائبه.