«بوردرليس.. صحيفة من لا وطن له»
اعتادت الناس أن تسمع تعبير «بلا حدود» مضافاً إلى اسم جماعة حقوقية أو بحثية مثل «أطباء بلا حدود» أو «صحافيون بلا حدود» أو «مؤمنون بلا حدود»، لكنها ربما التجربة الأولى من نوعها أن تصدر صحيفة تحمل اسماً بهذا المعنى، وهي صحيفة وموقع «بوردرليس» التي صدرت في الولايات المتحدة الأميركية، وتدخل اليوم عامها الثالث.
التجربة التي تعبر عن مواكبة مهنة الصحافة للضمير الإنساني تستحق كل تقدير، فالهاربون من الفقر والمجاعات والظلم والقمع والديكتاتوريات، وعوالم الهجرة غير الشرعية، وعصابات الاتجار بالبشر وأعضاء البشر، ومعسكرات الاحتجاز التي تفرق الطفل عن أمه وأبيه، يحتاجون إلى منصة تعبر عنهم، ومنبر يغطي متاعبهم ومآسيهم، فما للتسلية وحدها خُلق الإعلام.
عرفت «بوردرليس» نفسها بأنها «منفذ إعلامي هدفه إعادة تقديم صورة للمهاجرين من أجل مستقبل أكثر عدلاً وأقل ظلماً لهم»، واستطاعت في فترة وجيزة (3 أعوام فقط) أن تقدم نفسها من بوابة المهنة كمنافسة احترافية، وليست نشرة غوثية أو دعائية، تنافس «نيويورك تايمز» و«سي إن إن»، وتحصل على جوائز مثل جائزة «الأفضل في التغطية المجتمعية العميقة»، وتدخل في شراكات مع «راديو شيكاغو» و«وتلفزيون ويسكنسين العام».
على أن نجاح الصحيفة - الموقع، وأخذها مكانتها مصداقية وانتشاراً، لا يعني أنها سارت وتسير في طريق ممهد ومليء بالورود.
فإنشاء منفذ إعلامي لمهاجرين هو عمل موجه لكتلة هلامية متعددة اللغات والثقافات والجغرافيا، كما أن جمهور هذا المنفذ إعلاناً وتوزيعاً لا يمثل أي سند، هذا إذا افترضنا أصلاً أن المنتج سيصل إليه، وهذه التجربة لا مثيل لها سوى تجربة صحيفة «القهوة السوداء»، التي أنشأها متبطلون عن العمل في فرنسا، لزملائهم المتبطلين، ولم تنل كثيراً من النجاح.
وفي ما يبدو، فإن الوجه الأخير واضح لأنصار هذه الصحافة، فالتركيز موجه إلى المجتمع الدولي الذي أصبحت قضية الهجرة أولوية في تفكيره، وللمنظمات الحقوقية والغوثية، وللمجتمعات المستقبلة للهجرات، وللملايين المستقرة في أميركا وأوربا، وتتمتع بأعلى مستوى معيشة، وتخشى أن تهدد كتلة المهاجرين الزاحفة التي بلغ عددها بحسب تقدير الأمم المتحدة 258 مليون شخص في عام 2017، طريقة حياتها ومستوى رفاهيتها، ولأصحاب الضمائر الحية قبل كل هؤلاء.
استطاعت «بوردرليس» في ظل هذه المعادلة أن تنتزع مكاناً لها، واستطاعت بحكم تخصصها واندماجها في عالم الهجرة أن تنتزع من «تايمز» و«بوست» و«غارديان»، القصص الإنسانية الأكثر إثارة، والأشد عمقاً للمهاجرين. بايجاز، نجحت «بوردرليس» في أن ترمي «قارب إنقاذ» للغارقين في عوالم الهجرة وأن تقدم دليلاً جديداً على أن الصحافة لن تموت، كما بشر الناعقون.