«لانسيت».. طبية أم سياسية
تواجه «لانسيت» الدورية العلمية الطبية الأشهر ربما في العالم، جملة انتقادات بسبب شخصية رئيس تحريرها، ريتشارد هورتون، الذي يرى أن دور الصحافي الطبي لا ينبغي أن ينحصر في نقل تفاصيل الأبحاث ومختبرات المعامل، وإنما يتطور للاشتباك مع جوهر السياسات الصحية في العالم.
اشتبك هورتون ومن خلفه «لانسيت» بطبيعة الحال مع ثلاثة رؤساء، كانت لهم توجهاتهم الطبية - المثيرة للتساؤل في أزمة كورونا هم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس البرازيلي خايير بولسونارو، فوصف قرار ترامب الخاص بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية بأنه «جريمة ضد الإنسانية»، واتهم جونسون بـ«إساءة التصرف في الشأن العام»، ووصف بولسونارو، بأنه «خطر على الصحة العالمية»، كما هاجم أيضاً «النظام الصحي العالمي»، ودعا إلى «استراتيجية عالمية موحدة ضد كورونا»، وإجراء تحقيق دولي في أسباب ظهور وانتشار الفيروس، وقرر علاوة على هذا إصدار كتاب بعنوان «كارثة كورونا.. الخطأ الذي جرى وطريقة إصلاحه».
تغامر «لانسيت» والتي يعود تاريخها إلى عام 1823 بإلقاء نفسها في أتون السياسة، وهي تضحي في ذلك بسمعتها التي تستمدها من رصانتها، كما تضحي بشكل خاص بجهدها المميز في أزمة كورونا حيث كانت الدورية الأولى التي نشرت في 24 يناير 2020، وبعد أربعة أيام فقط من اعتراف الصين بالفيروس، تقريراً علمياً مهماً عن الفيروس شارك في كتابته 29 عالماً، كما أنها أصدرت بعدها خمسة أعداد في أسبوع واحد، لتغطي كل تفاصيله.
تدفع «لانسيت» الآن كلفة الولوج في أوحال السياسة، فقد فتحت عليها النيران من كل اتجاه، وتم استدعاء تقارير نشرتها المجلة لتصبح محلاً للتشكيك، وتم التذكير بتقرير نشرته عن العراق وآخر وقعه 22 طبيباً فلسطينياً في قطاع غزة، يتم المعايرة به بوصفه نموذجاً للتسييس، يضاف لهذا مشروع تبناه هورتون يحمل اسم «لانسيت المهاجرين» لتحسين أحوال المهاجرين.
تمثل واقعة «لانسيت» العابرة مفترق طرق في أزمة كورونا، وفي الصحافة الطبية إجمالاً، وهي أزمة حقيقية ليست لتلك «اللوبيهات» التي تتصارع هناك في دوائر السياسة والبزنس وصناعة الدواء، وإنما للإنسان البسيط الذي يرى السياسة تزحف على الطب، فلا يستطيع أن يطالب الصحافة الطبية إلا بأن تحكي بعضاً من السياسة، بينما يحلم في الوقت نفسه بأن تأتيه المعلومة الطبية خالصة ومبرأة من كل شائبة وسياسة.
تدفع «لانسيت» الآن كلفة الولوج في أوحال السياسة، فقد فتحت عليها النيران من كل اتجاه، وتم استدعاء تقارير نشرتها المجلة لتصبح محلاً للتشكيك.