المرصد
استطلاعات الرأي الأميركية في القفص
الدرس الأول، الذي خرجت به الولايات المتحدة من الانتخابات الأخيرة، هو ضرورة هدم وبناء صناعة «استطلاعات الرأي» من جديد.
فقد وصفت مجلة «بوليتيكو»، في مقال تشارك فيه الكاتبان جاك شيرمان وآنا بالمر، استطلاعات الرأي، والرثاثة التي وصلت إليها، بأنها تحولت إلى «حطام سفينة»، وخرجت دورية «أتلانتيك» الرصينة بمقال صادم عنوانه: «أزمة الاستطلاعات كارثة على الديمقراطية الأميركية». قالت فيه إن «الخاسر الأول في السباق الرئاسي الذي جرى، هو الاستطلاعات التي تخبطت في النتائج، سواء استنتاجها بسهولة النصر الذي سيحصل عليه بايدن، أو بمؤشراتها في الشيوخ والنواب»، وأشار المقال إلى أن «ما جرى كارثة، سواء لقلب صناعة الاستطلاع، أم للمنصات الإعلامية التي تساندها، مثل موقع (فايف ثرتي أيت 538)».
كذلك خرج موقع «الراديو الوطني الأميركي»، بمقال عنوانه: «أخفقت ثانية. هل هي نهاية صناعة الاستطلاعات الأميركية»، اتهم ترامب وأنصاره بالمسؤولية عن تخريب الصناعة، وقال المقال إن «أنصار ترامب رفضوا الحديث للمستطلعين والاستطلاعات، وكانوا يتصورون أن آراءهم ستزور، وسيتم السخرية منهم، وأن هناك استطلاعاً تم ليلة الانتخابات أظهر اعتراف 19% من أنصار ترامب بإنكار تأييدهم له في الاستبيانات، وإقرار 8% فقط منهم بذكر موقفهم الحقيقي».
لكن لتحري كل جوانب القصة، فإن الأدلة تقول إن ربط تدهور صناعة الاستطلاعات في الولايات المتحدة بتأثيرات حكم المنتهية ولايته دونالد ترامب، فقط هو أمر يخلو من الدقة، إذ شهدت هذه الصناعة التخبط ذاته في انتخابات 2000، حينما رجحت فوز آل غور، وأخفقت مرة أخرى في 2016 حينما ارتفعت بأسهم هيلاري كلينتون. وأخفقت، بل على العكس يمكن القول بأن في المرة الأخيرة توقع كثير من الاستطلاعات فوز بايدن، وإن كانت أخفقت في توقعاتها لمجلسي النواب والشيوخ.
ويُرجع محللون الإخفاق والتخبط، علاوة على ما فعلته حقبة ترامب في المشهد السياسي، إلى زيادة تعقد المشهد الانتخابي الأميركي، واستعار حرب المعلومات في عصر عنوانه هذه الكلمة، وظهور صناعة الأخبار المزيفة المتعمدة، وتجمد صناعة الاستطلاعات عند حدود معينة.
ويركز خبير الاستطلاعات، فرانك لوينز، على النقطة الأخيرة، فيقول إن «العاملين في استطلاعات الرأي كذبوا في الانتخابات الأخيرة. فقد ادعوا أنهم توسعوا في الحصول على عينات بالمناطق الريفية الأميركية وهذا لم يحدث، وادعوا تنويعهم وسائل مقابلة الجمهور، وهذا لم يحدث، وهكذا».
على أية حال، قد يكون في ما حدث الفرصة، كما تقول «الغارديان»، خصوصاً أن ما حدث لا يمكن التقليل من شأنه، وبتعبير رئيس تحرير: «فايف ثرتي أيت 538»، الموقع الأهم في عالم استطلاعات الرأي، والذي يقرن المعلومة بالتحليل، أصبحت الصناعة «أقرب إلى حطام سفينة»، كما أن طريق الإصلاح حسب رأيه واضح، ويتمثل في توسيع دائرة المستطلعين، وتوازن مناطق الاستطلاع، وتغيير منهجية الاستطلاع.. وهكذا.
بالمناسبة «فايف ثرتي أيت فايف» اشتق اسمه من عدد أعضاء المجمع الانتخابي على سبيل التفاؤل: تفاؤل نرجو أن يدوم!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news