المرصد

«أبعد من تامر أمين»

مضت فصول أزمة الإعلامي المصري تامر أمين إلى أقصى حد يمكن أن تصل إليه تداعيات مشكلة شخص تورّط في إساءة وصفت بالعنصرية، فقناة النهار أوقفته عن العمل، والجهة المسؤولة سحبت ترخيص مزاولته للمهنة، والبرلمان المصري حفل باستجوابات تطالب بمحاسبته، والنائب العام تلقى عشرات البلاغات التي تطلب محاكمته، لكن السؤال الأهم الذي يهمنا داخل دائرة الإعلام بعد أن انفض السامر أو يكاد، لماذا تحدث مثل هذه الزلات القاتلة في مجتمعاتنا العربية، وما سبيل تحاشيها؟

الإجابة السريعة التي قدمها محللون ومتابعون أن هذا يحدث بسبب نموذج «الإعلامي الخطيب» الذي ساد في المجتمعات العربية، وحوّل الإعلامي من ناقل للخبر، ومحاور للمصدر، وممحص للمعلومة، الى خطيب حائز على رخصة مفتوحة ليقول ما يشاء كيفما شاء، هو المعلومة وهو الرأي، وهو صاحب الحق المطلق لفرض تصوراته وتخيلاته، وتحليلاته، وأحلامه الليلية، وأوهامه وتخبطاته على المشاهدين في كل شيء من طريقة عبور المشاة، إلى طريقة هبوط المركبات الفضائية بلا ضابط أو رابط.

لكن هذه الإجابة لا تعكس وحدها الصورة وتطوراتها، فعلى سبيل المثال فإن «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في مصر، حيث كان مسرح الواقعة، وضع 21 معياراً في مسعى لكبح ظاهرة «الإعلامي الخطيب»، شارك في صياغتها أكاديميون أكفاء وإعلاميون محترفون، يهمنا هنا منها أن يكون مقدم البرنامج ورئيس تحريره أعضاء في نقابتهم (نقابة الإعلام)، وأن يكون رئيس التحرير مسؤولاً عما يذاع، وأن يكون لكل ملف في البرنامج مُعد محترف، وأن تكون لكل معلومة مرجعية، وأن يدعم الخبر بتقرير مصور، وأن يجمع البرنامج بين الخبراء والمسؤولين، وأن يكون الخبير فعلاً كذلك، وأن لا تكون التغطية من طرف واحد، وأن تنوه عن مهمة الضيف، وأن يجمع البرنامج بين الحديث المباشر واللقاءات والتقارير، و«أن لا يترك وقت البرنامج للمذيع، وتعطي الفرصة للضيف لعرض رأيه»، فهل تم تطبيق هذه المعايير حقاً، وهل نجحت هذه المعايير في ضبط «الانفلاتات المتتالية» قبل وقوعها؟

الإجابة بالتأكيد «ليس كثيراً»، والسبب الحقيقي كما يرى خبراء الإعلام أن القوانين وحدها - دون المناخات الملائمة - لا تأتي ولن تأتي بنتيجة.

فإدراك الإعلامي أن السلطة في زماننا ليست فقط سلطة ومال، وأن سلطة الرأي العام والاعلام البديل لا تقل حضوراً، لابد أن يكون مكوناً أساسياً في فهمه، وثقافة نبذ الكراهية، قبل الحديث عن أي سلطات، والتي يجب أن لا تكون مجرد مصطلح يتردد في المؤتمرات، وإنما إيمان حقيقي داخلي بأن الاساءة إلى أي عرق، أو جنس، أو مذهب، أو دين، أو جهة، أو جماعة بشرية، هو تابو محرم في رسالته الإعلامية، هو أمر يجب أن يسري في دمائه، بحيث حتى لو انفلت لسانه لتعبير عفوي لا يعني ذلك الانجراف إلى إهانة أو إساءة. ففي قضايا زلات اللسان أسوأ الاعتذارات التي يمكن أن تقدم القول إنها عفوية، لأن هذا يعني أن قائلها لم يأتِ إلا بما في دواخله.

تويتر