«صالة التحرير - وصالة التحفيل»
أصبح «التحفيل»، والذي يعني إقامة حفل ساخر وعدائي على وسائل التواصل، طقساً يومياً في حياتنا وواقعنا الاعلامي، ولن نستغرب لو فوجئنا بتدريسه يوماً في كليات الإعلام.
«التحفيل» أنواع، أبرزه الرياضي، لكن أسوأه ما هو موجه ضد شخص عادي، قاده حظه العاثر لأن يكون عنواناً أو موضوعاً لخبر ما، وصادف أن يكون لهذا الخبر منتظرون أو خصوم، يلتقطوه ليقيموا حفل اغتيال معنوي للشخص على وسائل التواصل.
يمتلك «خبر التحفيل» خصائص، ليس من بينها أن يكون صادقاً أو كاذباً، دقيقاً أو غائماً، موثقاً أو ادعاء، المهم فيه تمتعه بالصدمة والغرابة، أو قابليته للتطوير، حتى يلهم أو يلهب «السادة الحفيلة».
في خبر «طبيبة مدينة السلام»، الذي وقع في العاصمة المصرية، الأسبوع الماضي، والذي تردد فيه أنها انتحرت بعد أن استضافت شخصاً غريباً عنها، فلم يعجب ذلك الجيران، تكشف بعد يوم أو أكثر من «التحفيل» أن الخبر بصيغته السابقة يخلو من أي صدقية، فالطبيبة ثبت أنها ليست طبيبة، وإنما عاملة في المجال الصحي، ويبدو أنه أعجبهم رنين مانشيت «طبيبة السلام» فاعتمدوه، وضيف الضحية المزعوم لم يكن ضيفاً ولا يحزنون، وإنما هو عامل الغاز الذي يؤدي عمله، كما خرج وروى هذا للإعلام بنفسه، والباب لم يكن مغلقاً أثناء صعوده ودخوله، وإنما كان مفتوحاً، بحسب روايات التثبت، والضحية لم تكن عزباء وإنما متزوجة، والقول بأنها انتحرت تم تكذيبه، كما أنها طبقاً للروايات الجديدة كانت بكامل ملابسها على عكس ما رددته الرواية الأولى، فمن يعيد لهذه الانسانة حقها بعد اغتيالها معنوياً وهي ميتة.
في مهرجانات التحفيل، وهذا هو الأسوأ، تنقلب المعادلات مثل مسرح العبث، فيصبح القراء هم من يكتب الخبر، ولا يحتاجون الى مصادر شرطية، أو صحية، أو عدلية، وكما حدث في خبر «طبيبة السلام» وقبله «متحرش المعادي»، كانت الإضافات التي لحقت بالخبر، أكبر من الخبر ذاته، وبعد ساعات تتوه المسافات فلا تعرف الحد الفاصل بينهما.
في «التحفيل» أيضاً، يتم استدعاء جهات حقوقية أو سياسية أو صاحبة رأي ما، لتبصم بمنظورها على الواقعة المفترضة، كما لو كان تم التأكد من حدوثها حسب رواية المحفلين بالفعل، فتصبح تصريحات هذه الجهات أدلة إدانة، وفي واقعة «طبيبة السلام» نسبت ناشطات نسويات مثلاً لـ«الواقع الذكوري والتدخل في خصوصية الإناث» مسؤوليته عن الواقعة، قبل أن يفتح وكيل النيابة تحقيقه، والذي قد يثبت أن الحادث وراءه خلاف على إيجار، أو وصل مياه، أو مشكلة واجهتها الضحية - رحمها الله - في البيت.
في قصة «التحفيل» أيضاً، هناك كارثة إضافية هي أنها قد تقوم على محض شائعة. وللتذكير فقط شهدت مصر عام 2018 أكثر من 11 شائعة موت لفنانين، وفي 2019 بلغ العدد 15 شائعة.
خاتمة القول إن الإعلام البديل وتوابعه، يدلل كل يوم على أنه ليس بمقدوره إهدار كامل خبرة الإعلام التقليدي.