المرصد.. الإعلام في مواجهة «الانتهاكات الجنسية»
تتأكد كل يوم وظيفة الإعلام، ليس بوصفه مجرد ناقل أخبار محايد، أي «بوسطجي» بالمعنى القديم، ولكنه أيضاً صاحب مهمة استقصائية، تسعى إلى الوصول إلى «جواب نهائي».
وأخيراً، دخلت وكالة أنباء «الأوسوشيتدبرس» غمار معركة شائكة، وهي ادعاءات تورط موظفين على مستوى رفيع من منظمة الصحة العالمية، في انتهاكات جنسية، أثناء مواجهة وباء «إيبولا» عام 2019.
القصة علاوة على تعقدها، فهي مزرية، ومن فرط تكرارها أصبحت تقترن لدى الناس بالاستياء المضاعف، إذ كيف يتقبل الضمير الإنساني أن يصبح «المنقذ» هو «الذئب المحتمل».
الفضيحة الكونغولية، كشفتها موظفة سمت نفسها شينكينيا، حيث أشارت إلى موظف رفيع، قريب من دوائر صنع القرار في المنظمة، قام بتوظيفها بشرط دخولهما في علاقة جنسية معاً.
وكشفت شينكينيا أيضاً أن «الموظف لم يكتف بفعل هذا الأمر معها، بل عرضه على فتيات كونغوليات أخريات، ووظفهن بعد قبولهن للعرض الآثم».
رواية شينكينيا، توافقت مع روايات أخرى، أبرزها عرض تقدم به الموظف نفسه لفتاة كونغولية لنقلها إلى دولة أخرى، لتحصل على مرتب يساوي خمسة أضعاف مرتبها الحالي، بادئاً العرض بغزل ناعم، قال لها فيه إن «جمالها يستحق مكاناً أفضل لتعيش فيه».
كان تركيز «الأوسوشيتدبرس» في تحقيقها، ليس فقط على الاستزادة من المعلومات عن وقائع التحرش المفترضة، وإنما التوصل إلى مدى معرفة إدارة المنظمة الأممية بتفاصيلها، وموقفها من ذلك.
وقد سألت الوكالة في سبيل هذا الهدف عدداً من موظفي منظمة الصحة بالكونغو، ممن عاصروا «إيبولا»، فأجابوا بأنهم «أبلغوا رؤساءهم بالأمر، إلا أنهم طلبوا منهم ألا يمضوا في الشوط أبعد من ذلك».
لكن الوكالة، التي وضعت مهمة الاقتراب من الحقيقة على عاتقها، قررت أن تمضي هي ذاتها إلى الشوط الأبعد، وكانت كلمة السر في تكلل جهودها بالنجاح، هو تقصي الرسائل الإلكترونية، والعوالم الداخلية للمنظمة، حيث عثرت على رسالة من موظف متهم بالابتزاز الجنسي، تفيد بموافقته على منح كونغولية، اتهمته باستغلالها جنسياً «مبالغ مالية لتغطية تكاليف صحية وشراء قطعة أرض»، وكتب تحت الموافقة «من أجل حماية الاستقامة والسمعة»، وطبعاً دون معرفة ما إذا كان يقصد سمعة واستقامة المنظمة أم سمعته هو.
تحقيق الوكالة كشف أيضاً عن تسجيلات داخليه، أقر فيها ثمانية من مسؤولي المنظمة بـ«عدم قدرتهم على مواجهة الاستغلال الجنسي أثناء أزمة إيبولا»، وأن الإدارة لم تكن فقط على علم بأدق التفاصيل بالانتهاكات «بل ناقشتها»، لكن لم يحدث شيء لمواجهتها على الأرض.
التحقيق «الوكالي» فعل أقصى ما يستطيع الإعلام، في القضية، لكن أيضاً يجب ألا ننسى أنه ليس كل ما يتمناه الصحافي يدركه.