صحافة عالمية.. المرصد.. «سارة رحمة».. الافتراضية المزيفة
تكرر ظهور شخصيات افتراضية مزيفة في مجتمعاتنا، يلتف حولها الناس ويعتبرونها أيقونة، وآخر هذه الشخصيات هي «سارة رحمة» التي أصبحت حدث وحديث الشبكة الافتراضية أخيراً في السودان. ظهرت سارة رحمة على موقع «فيس بوك» منذ عامين مرتدية غلالة إنسانية لا تحتمل سوى التعاطف، فقد قدمت نفسها على أنها مهاجرة سودانية في أوسلو، توفي زوجها وتعتزم الوفاء لمسيرته طوال عمرها وتخوض الحياة بعده حالياً بشجاعة كإنسانة قوية ومتحدية. دعمت سارة رحمة روايتها ببروفايل تظهر فيه كامرأة عليها مسحة من جمال وصلابة، وانخرطت بعد ظهورها في شبكة صداقات على «فيس بوك» مع الآلاف، زاعمة أنها تعمل في الأمم المتحدة، وعززت الانطباع الطيب عنها بدور إنساني مزعوم تناقله متابعوها.
دفعت سارة رحمة الحبكة الدرامية إلى منتهاها، فأعلنت إصابتها بمرض السرطان، فتضاعفت الأعداد على صفحتها، وتضاعفت معهم مشاعر التعاطف والالتفاف حول «البطلة التراجيدية» التي جمعت المأساة إلى النبل، ووصلت القصة إلى ذروتها حين أعلنت سارة عن وفاتها على صفحتها، لتتضارب الأنباء بعد ذلك عن دفنها في أوروبا أو أديس أبابا، أو عودة جثمانها إلى الوطن، لتجييء المفأجأة بعد هذا كله متمثلة في اكتشاف السودانيين في تلك اللحظة أن القصة كلها «اشتغالة»، وأنه لم تكن هناك من الأصل «سارة رحمة».
مثل سقوط شخصية سارة رحمة زلزالاً في الأوساط الشبابية السودانية، وتقاطعت التوقعات المتاينة، حيث استعاد البعض بشيء من التخوف مدى تغلغلها في قلب المجتمع وجمعها لمعلوماته، سواء عبر «البوستات» العلنية أو «الشات» المخفية، وذهب البعض بالكرة بعيداً ليعلن عن تخوفه من أجهزة واستخبارات في بلد يشتعل سياسة كالسودان، واكتفى البعض الآخر باعتبارها - من وجهة نظره - مظهراً لصراعات سياسية، بينما تمسك فريق ثالث بالرواية شبه السائدة عن أسباب نفسية دفعت شخصاً ما، تردد اسمه، لاختراع هذه الشخصية.
تبدو سارة رحمة واحدة من شخصيات كانت تبحث عن مؤلف في المنطقة العربية، خصوصاً أن معظم هذه الشخصيات ظهرت بعد وأثناء «الربيع العربي»، مثل «ميار العسل» في مصر بعد 2011، التي خدعت جمهورها لمدة ست سنوات، وهي أيضاً ليست بعيدة عن الصراعات السياسية والأذرع الإلكترونية، وهي أشياء استلزمت من إدارة «فيس بوك» إزالة 500 مليون حساب وهمي من الشبكة حتى الآن.
لكن السؤال الذي دار بذهن كل من تابعوا القضية، أليس من الممكن أن يكون «العيب فينا» بقدر يفوق مسؤولية كل الأطراف الأخرى عنه بعد أن حولنا العالم الافتراضي إلى حقيقي.. صنعناه وصدقناه، ونسينا أن «بوستاته» وأقاصيصه يصنعها صانع يمكن أن يكون في لحظة بالضبط كلاعب «عرائس الماريونيت».