لوحة شرف.. وسجل عار
مثل كل الظواهر الإنسانية، تجاور في كشف حساب الإعلام أثناء كارثة الزلزال الأخيرة سجلان، أحدهما لوحة شرف مثل الدور المهم الذي قامت به شركة «بلانت لابز» لتصوير الكرة الأرضية، والتي أسسها مجموعة علماء أميركيين كانوا يعملون في وكالة ناسا للفضاء، والآخر لا يجني أصحابه سوى العار والمتعلق بطوفان الصور والفيديوهات المزيفة، التي أغرق بها مزوّرون منسوبون للإعلام المنصات المختلفة للتربح أو للتخريب.
في الأول، برزت «بلانت لابز» بوصفها بطلة الحدث العالمي، والتي أصدرت «بياناً مسؤولاً بعد دقائق قليلة من وقوع الزلزال، قالت فيه إن المأساة أدمت قلوب العاملين فيها، وإنها تجدد التزامها بتقديم العون عبر إتاحة صورها للجمهور، ولوسائل الإعلام والمتطوعين، وللمنظمات الإنسانية ولكل المجموعات التنسيقية لمواجهة الكارثة».
وقد انعكس فيض الصور الدقيقة والغزيرة التي قدمتها «لابز»، في تمكين صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية فقط كنموذج، في رسم خريطة كاملة للحدث الفاجعة في مدينة كهرمان مرعش التركية التي كانت قريبة من مركز الزلزال. ورسمت «نيويورك تايمز» اعتماداً عليه خرائط توضيحية كاملة كماً وكيفاً، للمباني المدمرة والآيلة للسقوط، كما قدمت تقييماً للموقف الإجمالي عبر الصور الفضائية للمدينة، بعد ثلاث ساعات فقط، استفادت منه الفضائيات والصحف والمنصات، بشكل لا توازيه على الإطلاق أي جهود إعلامية فردية، أو جماعية على الأرض.
في الجهة المقابلة وبالتوازي، وبكثافة الحدث ذاتها، ارتكب مصورون منسوبون زوراً للإعلام، عشرات الجرائم لتزييف الصور والفيديوهات لا لشيء إلا ليثبتوا حضورهم، رصدت منها «ميزان برس»، الخدمة الأشهر في تدقيق الصور والأخبار، والتابعة لوكالة الصحافة الفرنسية، أشياء بالغة الفجاجة، مثل تقديم الفيديو المصور لانهيار مبنى في ولاية فلوريدا الأميركية، عام 2020 بوصفه من زلزال تركيا وسورية، وتقديم فيديو ملتقط في شاطئ ديربان بجنوب إفريقيا عام 2017 بالطريقة نفسها، وبث صورة لكلب يلاعبه صاحبه في مكان ما، بوصفه كلباً ينقذ رجلاً من الزلزال، واستدعاء صورة زلزال جرى في اليابان 2011 والتعليق عليها بوصفها في تركيا، وبث صورة خاصة بإعادة بريطانيين إلى بلادهم أثناء أزمة «كورونا»، بوصفها طائرة مساعدات إنسانية تونسية إلى سورية، وبث صورة لمنتقبة بوصفها ناجية من الزلزال، بينما هي في الأصل صورة وزعتها وكالة الأنباء الفرنسية لفارين من المعارك بين قوات سورية الديمقراطية وتنظيم «داعش» في بلدة الباغوز السورية عام 2019.. هي صور لا تتوقف سلبياتها عند مجرد التأثيرات الأخلاقية، وهزّ صدقية المنصات، وإنما تتعدى ذلك، إلى التشويش على المهام الإغاثية والإسعافية، والأدوار المختلفة على الأرض.
سجلان مختلفان، الجيد في مشهدهما أن الغلبة للإيجابي.
ارتكب مصورون منسوبون زوراً للإعلام، عشرات الجرائم لتزييف الصور والفيديوهات لا لشيء إلا ليثبتوا حضورهم.