المرصد
في رثاء «أبلة فضيلة»
اهتمت وسائل الإعلام العالمية برحيل الإذاعية الكبيرة «أبلة فضيلة»، ولم يتوقف الاهتمام المكثف بها على الفضائيات والصحف، بل امتد إلى «وكالات الأنباء»، والتي تكون خدمتها الخبرية عادة مركزة أكثر على الأحداث المتفاعلة والمتواصلة، بما يعكس الأهمية الاستثنائية للإعلامية الراحلة.
مثلت «أبلة فضيلة» جملة استثنائية في التاريخ الإعلامي، ليس بوصفها من جيل المؤسسين الإذاعيين العرب في الستينات فقط، وإنما بوصفها مؤسسة لمدرسة مهمة في مجال «إعلام الأطفال» قامت على جمع الجاذبية إلى الفائدة، وجمع الانفتاح على العالم مع تنمية ثقافتنا الخاصة.
كانت حياة أبلة فضيلة الأسرية هي البوتقة التي انصهرت فيها عوامل شتى، فهي بحسب رواية ابن خالتها الشاعر أسامة فرحات، من أسرة سودانية مصرية، جدها لأبيها الشيخ توفيق عبدالعزيز، أحد مقرئي القرآن الكريم العظام الذين بثت تسجيلاته محطة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وهو سليل المؤرخ المعروف عبدالرحمن الجبرتي، والذي تعود جذوره إلى بلدة جبرته الصومالية، بينما أم والدته تركية، أما زوجته، والدة أبلة فضيلة، فهي نوبية سودانية من قرية مشكيلة، مركز داركو بمنطقة المحس السودانية، وقد أسهم هذا التشكيل الثقافي الفريد في خروج أبلة فضيلة كتكوين يجمع تأثيرات كل هذه الروافد، كما أسهم أيضاً في تكوين شقيقتها الممثلة الجادة الوطنية، محسنة توفيق، التي عرفت باسم «بهية» بعد أن ظهرت في فيلم «العصفور» للمخرج يوسف شاهين، الذي غنى فيه الشيخ إمام عيسى أغنية أحمد فؤاد نجم الشهيرة «مصر يامه يا بهية».
رحيل أبلة فضيلة يذكرنا بما آل إليه كثير من «برامج الأطفال» في عالمنا العربي من أوضاع سلبية، سواء بعدم التوفيق في صنع محتوى يمثل الثقافة المحيطة بالطفل، أو بالتحديات النوعية التي يعيشها.
وكما يرى المتخصص في إعلام الأطفال عيسى بن محمد القايدي في تحقيق صحافي بجريدة «الاقتصادية»، فإن الخلل هو أن البعض يرى هذه البرامج «مكملة وليست أساسية، أو أنها للتسلية فقط»، علاوة على «اعتماد هذه البرامج على الإنتاج الأجنبي من منطلق التوفير والاعتماد على الجاهز، رغم تأكيد كثير من الدراسات على سلبية هذه البرامج لطبيعة اختلاف الثقافة بين أفراد المجتمع الذي ينتج هذه الأفلام، والذي يشاهدها».
كانت أبلة فضيلة مهمومة بهذه القضية، وكانت تشعر بأن طوفان العولمة وترك الأطفال في مجتمعاتنا في مهب الريح، يزحف بالتدريج على إرثها وغرسها الذي عاشت له، وكانت تردد دوماً أن حلمها الذي تتمنى أن تراه قبل أن تموت، هو أن تواصل مذيعة عربية برنامجها «غنوة وحدوتة».
ربما تشهد الأيام تحقق هذا الحلم بعد رحيلها.
• مثلت «أبلة فضيلة» جملة استثنائية في التاريخ الإعلامي، ليس بوصفها من جيل المؤسسين الإذاعيين العرب في الستينات فقط، وإنما بوصفها مؤسسة لمدرسة مهمة في مجال «إعلام الأطفال».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news