المرصد

زمن الجيوش الإلكترونية

في ظل أجواء الحروب المتتالية، التي شكلت ملامح سنواتنا الأخيرة، فرض تعبير «الجيش الإلكتروني»، الذي يصف حالة جديدة على عالمنا ومجتمعاتنا اقترنت بصعود وتسيّد الإعلام الرقمي، نفسه علينا بإلحاح.

وقد نال مفهوم «الجيش الإلكتروني» معنى سلبياً في نشأته، بوصفه أداة تحول الإعلام إلى بروباغندا، لكنه بالتدريج أصبح واقعاً في كثير من الدول، يتجاوز حجمه بكثير مكاتب «الدعاية السوداء» المحدودة القديمة، وعلى سبيل المثال، وحسب «فايننشال تايمز»، تطور لندن حالياً وحدة من 1500 عنصر، أنشئت لـ«قطع حبل الدعاية الداعشية»، والهجوم على مواقعها وحسابات مجنديها، واختراق الحسابات المزورة، واختراق شبكاتها، كما تعزز فرنسا وحدة من 50 خبيراً للقيام بهذه المهمة، بحسب «لوموند»، بينما كانت ألمانيا قد أعلنت من وقت طويل جداً تشكيل هذه القوة كسلاح مستقل داخل الجيش الألماني التقليدي، لا يقتصر عمله على صد الهجمات الإلكترونية، بل سيرد عليها في حالة التعرض للهجوم، وأن هذا الجيش سيبلغ قوامه 13 ألف جندي، يتمتع بالندية مع سلاح المشاة والقوات الجوية والبحرية، بحسب «دويتش فييله»، أما الولايات المتحدة، وبحسب دراسة إعلامية متخصصة، نشرها «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية» في واشنطن، فهي فاقت الجميع، حيث تمتلك ستة جيوش إلكترونية، تأتي في مقدمتها «الوحدة الأميركية لقيادة الفضاء الإلكتروني»، بعد أن قامت بتدشين أول لواء سيبراني عام 2011، وأنفقت ما يقرب من سبعة مليارات دولار على شبكة تضم 9000 عنصر.

ويفرّق خبراء بين «الجيوش الإلكترونية» و«الذباب الإلكتروني»، حيث تقوم بالأول قوى أكثر تنظيماً وأوسع في الإمكانات، بينما ينطبق مفهوم الأخير، أي «الذباب الإلكتروني»، على كل الحسابات الوهمية البسيطة أو الكبيرة التي ينشئها أفراد أو جماعات بهدف تزييف الحقائق، لكن يملك الطرفان خطورة التضليل الإعلامي.

ويرى خبير الإعلام الرقمي أحمد بريمو، في مقال له على «شبكة الصحافيين الدوليين»، أن «وسائل الاتصال الاجتماعي تساعد الجيوش الإلكترونية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة»، وأن «المراصد الإعلامية حاولت في البداية نصيحة مستخدمي التواصل بالعودة إلى مصادر الأخبار لقراءة الأخبار كاملة، وإحدى هذه الوسائل كانت العودة إلى الحسابات الرسمية الموثقة بالعلامات الزرقاء، ولكن بعد أن اتجهت شركات تواصل، طلباً للربح، إلى بيع هذه العلامة الزرقاء، باتت هذه الجيوش لا تنشر فقط بحسابات وهمية، بل منها من يحاول بناء شخصيات خلف هذه الشخصيات، وتوثيقها بالعلامة الزرقاء المشتراة بالمال، لإظهار أن أصحابها حقيقيون، ثم القيام بالنشر في موضوعات مختلفة».

ويصعّب واقع وجود الجيوش الإلكترونية حالياً من مهمة الصحافة التي لا تنقصها تعقيدات في الوصول إلى الحقيقة المجردة، والتقاط الخبر الصحيح، في ظل أن أصحاب هذه الجيوش لا يعنيهم سوى أكاذيبهم، لكن الأمر لا يتوقف في تأثير هذه الجيوش على التأثير على المادة الصحافية، بل يتعداها إلى الصحافيين أنفسهم وسلامتهم الجسدية.

وطبقاً للخبراء الرقميين، فإن ظهور الذكاء الصناعي، وتطبيقاته المتسارعة في مجال الإعلام، ستخلق حقائق جديدة لمصلحة صراع الجيوش الإلكترونية ضد بعضها، وضد الحقيقة، تفوق تأثيراته كل ما سبق.

• «الذباب الإلكتروني» عبارة عن حسابات وهمية بسيطة أو كبيرة ينشئها أفراد أو جماعات بهدف تزييف الحقائق.

تويتر