الصحافيون في الحروب
يتعرض الصحافيون للمتاعب والأخطار من مختلف الأنواع، لكنهم بالتأكيد يتعرضون لأخطار ذات طابع جدي حين يجدون أنفسهم بحكم الظروف على الخطوط الأمامية للصراعات، وعلى الحد الفاصل بين الموت والحياة في أتون الحروب.
ويعرف المراسل الحربي الدكتور محمود محمد الجوهري، في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه، بأنه «الجندي المجهول الذي يؤدي عمله الصحافي بين الحديد والنار»، ويرى أن الصعوبة الأولية للمهنة تكمن في التناقض بين طبيعة الحرب القائمة على السرية بشكل مطلق وطبيعة عمل الصحافي القائمة على الإذاعة والنشر، وأنه ليس في استطاعة أي قوانين أن تقرب بين هذين العنصرين المتناقضين إلا إذا استمد كل طرف من الآخر العون عبر الثقة وحسن النية، كما يقدم الجوهري تفرقة بين المراسل العسكري، والمحرر العسكري، والناقد الحربي، والمعقب على الأخبار العسكرية، وهي تقسيمات يرى كثيرون أنها بحكم تطور الإعلام وبحكم ظروف الحرب كثيراً ما تصبح نظرية، وفي ظل نشأة ما يسمى بـ«صحافي المهام المتعددة».
وفي ظل توالي الحروب وتنوعها من حولنا في السنوات الأخيرة، تولي جهات أممية وحقوقية اهتماماً بالغاً بواقع صحافي الحروب، ويقول موقع الأمم المتحدة في تقرير له بهذا الشأن إن «أهمها الأخطار التي تهدد أمنه الشخصي، ومعضلة تلبية احتياجاته الشخصية، إضافة إلى تحديات عمله في بيئة معلومات معقدة للغاية».
وتقول أستاذة بمعهد الصحافة في تونس، أروى الكعبي، في تحقيق لـ«شبكة الصحافيين الدوليين»عن هذا التحدي إن «صحافي الحروب يتعامل في سياق يستوجب أمرين، الحذر الشديد، والسرعة المدروسة» ويشير بشير جويس حنا في التحقيق ذاته إلى ضرورة تعقب صحافي الحروب لـ«حركة المعلومات المضللة عبر خطوات، منها تطبيق المعايير المهنية، والإلمام بالسياق التاريخي للأحداث».
ويشير خبراء إلى أنه على الرغم من الصعوبات التي أصبح يواجهها صحافي الحروب لكن من حسن حظه توافر عنصرين مساعدين شديدي الأهمية، هما المكتبة النظرية، والشبكات العملية المعاونة.
فعلى صعيد الخبرات النظرية، تتوافر لصحافي الحروب مئات الكتب التي تحكي خبرات، سواء كتب قديمة مثل «مشاهدات مراسل حربي في بريطانيا مرافق للجيش البريطاني 1917» لإدموند كاندلر أو «عزيزتي أميركا، رسائل من حرب فيتنام» أو حديثة مثل «الساعة 1405» لصلاح قبضايا، أو«أسرى في لبنان» لعوفر شيلح. أو حتى معاصرة مثل «الحرب العظمى من أجل الحضارة» لروبرت فيسك، أو «صحافيون على خط النار: حرب المعلومات والممارسات الصحافية» لهوارد تمبر وفرانك وبستر.
أما على المستوى العملي، فتتوافر عشرات الشبكات المعنية، ربما من أبرزها «شبكة ماري كلفن» الصحافية الحربية التي دفعت حياتها ثمناً لعملها في هذا المجال، وصاحبة الكتاب المجلد الأهم (على الخط الأمامي)، والذي ضم 100 تغطية صحافية لها من قلب المعارك. يبقى القول، إنه في عالم لا يتوقف لحظة عن السلام كحلم، تصبح مهمة الحديث عن صحافي الحرب هي الأكثر حضوراً كواقع: إنه تناقض ينتشر في عالمنا الذي نعيشه.
• يعرف الدكتور محمود محمد الجوهري المراسل الحربي في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه بأنه «الجندي المجهول الذي يؤدي عمله الصحافي بين الحديد والنار».