استغل الفساد الذي ضرب مؤسسات الدولة
البرتغال لم تعد استثناءً في اكتساح اليمين المتطرف لأوروبا
مع اكتساب الأحزاب اليمينية المتطرفة الزخم في مختلف أنحاء أوروبا، برزت البرتغال لفترة طويلة باعتبارها استثناء. وواحدة تلو الأخرى، شهدت الدول التي يُنظر إليها على أنها محصنة ضد التطرف دخول أحزاب اليمين المتطرف إلى البرلمان، فقد فاز حزب البديل من أجل ألمانيا بأول مقاعده البرلمانية في عام 2017، وبعد ذلك بعامين، حذا حزب «فوكس» الإسباني حذوه. وانضمت هذه الأحزاب إلى الأحزاب الراسخة في النمسا وفرنسا وهولندا والسويد وأماكن أخرى، وسرعان ما عززت مكانتها في المشهد السياسي في بلدانها.
ولكن في البرتغال، حاولت مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة الصغيرة الفوز بنفوذ جدي على مدى العقود الخمسة الماضية منذ ثورة عام 1974 التي أطاحت بالديكتاتورية في البلاد، وعندما ظهر حزب «شيغا» - وهو حزب يميني متطرف بقيادة أندريه فينتورا - إلى الساحة في عام 2019، بدا من المرجح أن يواجه الرياح المعاكسة نفسها التي واجهها أسلافه.
لكن ديناميكيات الحملة الانتخابية قبل الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت أمس، هي دليل على أن المشهد السياسي يتغير في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، التي أجريت قبل الانتخابات مباشرة، فإن «شيغا» قد يحصل على ما يقرب من ربع الأصوات.
وكان فينتورا، وهو معلق رياضي تلفزيوني سابق يبلغ من العمر 41 عاماً، يرتكز على رسالة مفادها أن «البرتغال بحاجة إلى عملية تنظيف»، مدفوعاً بعاصفة كاملة من العوامل، بما في ذلك استقالة رئيس الوزراء أنطونيو كوستا بسبب الفساد في أواخر العام الماضي. وفي العام الماضي، تزايد الإحباط من النظام السياسي، والتحول نحو اليمين بين الناخبين الشباب. وأدى تحقيق واسع النطاق في قضايا فساد مع أعضاء في حكومة كوستا الاشتراكية إلى إجراء انتخابات هذا الشهر، وعزز الدعم الجديد لـ«شيغا».
ونتيجة لذلك، عندما يتعلق الأمر باليمين المتطرف، لم تعد البرتغال دولة ناشزة. وفي الواقع، لم يكن الحزب محصناً أبداً ضد سياسات اليمين المتطرف، كما يقول الخبراء، لكنه لم يكن لديه اللحظة المناسبة أو القائد المناسب للاستفادة منها.
عوامل تاريخية
مع ذلك، منذ ثورة 1974، ساعد التقاء العوامل التاريخية في الحد من قدرة اليمين المتطرف على اكتساب القوة في البرتغال. وأحد هذه العوامل كان طبيعة الثورة نفسها، التي كانت بمثابة رد فعل على الديكتاتورية المحافظة. وفي ذلك يقول الباحث في العلوم السياسية في جامعة لشبونة، لوكا مانوتشي، إن الثورة، التي قادتها إلى حد كبير الحركات ذات الميول اليسارية «منعت أي شيء على تيار اليمين السائد من الظهور لفترة طويلة جداً»، موضحاً «لكن الأمر لا يعني أن هذه الأحزاب لم تكن موجودة».
كما أن تاريخ البرتغال الطويل في الهجرة من مستعمراتها السابقة، مثل البرازيل والرأس الأخضر وأنغولا، يعني أيضاً أن الهجرة كانت أقل إثارة للانقسام هنا، مقارنة بالعديد من البلدان الأوروبية الأخرى. وقالت الباحثة ليا هاين، التي تجري أبحاثاً حول اليمين المتطرف في البرتغال إلى جانب مانوتشي «الهجرة ليست مسيسة في البرتغال على الإطلاق»، متابعة «لقد أدى هذا إلى تقييد حزب (شيغا) إلى حد ما في الطريقة التي يمكنه بها التصرف كما تتصرف أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية الأخرى في بلدان أخرى».
قبل خمس سنوات، لم يحقق «شيغا» أي نجاح يذكر على المستوى الوطني. وفي انتخابات عام 2019، فاز الحزب المؤسس حديثاً بنسبة 1.3% فقط من الأصوات، ودائرة انتخابية واحدة في البرلمان، وهي دائرة تقع خارج لشبونة مباشرةً. وربما لم يكن أداءً قوياً، لكنه كان سابقة تاريخية، وأعطت فينتورا نقطة انطلاق لدخول دائرة الضوء السياسي.
ويتمتع فينتورا بجميع الخصائص المناسبة لجذب الناخبين. وعلى حد تعبير أستاذ العلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية بجامعة لشبونة، أنطونيو بينتو، فإن «فينتورا هو الحزب».
وكان فينتورا ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إلى يمين الوسط، وهو ما يمنحه المظهر الخادع للفوز بنطاق أوسع من الناخبين. لقد انفصل عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عام 2018، بعد حملة انتخابية فاشلة لمنصب رئيس البلدية بالقرب من لشبونة في عام 2017، والتي تبنى خلالها خطاباً قاسياً مناهضاً للغجر، وهي الرسالة التي بنى عليها كعضو في البرلمان. ويشير فينتورا إلى سكان الغجر في البرتغال، الذين يعيشون في البلاد منذ قرون، على أنهم «مجرمون»، بحجة أنهم يعتمدون بشكل غير متناسب على المزايا الحكومية.
كما بنى فينتورا شخصيته بناءً على استعداده لقول أشياء لن يقولها السياسيون الآخرون. وقال بينتو «لقد قدم نوعاً جديداً من الخطاب السياسي، وهو خطاب سياسي مناهض للنخبة، وهو الوصفة الشعبوية اليمينية المتطرفة النموذجية».
قضية ثانوية
علاوة على ذلك، فإن دور فينتورا كمعلق محترف لكرة القدم جعله معروفاً في جميع أنحاء البلاد. وقال مانوتشي «في اللحظة التي ابتكر فيها (شيغا)، كانت جميع الكاميرات موجهة نحوه».
كما أتاحت موجة الهجرة الأحدث - حيث ارتفع عدد الأشخاص من أصل أجنبي الذين يعيشون في البرتغال للسنة السابعة على التوالي في عام 2022 - لفينتورا وحزبه البدء في استغلال قضية لعبت لفترة طويلة دوراً ثانوياً في السياسة البرتغالية. ودعا فينتورا إلى فرض عقوبات أشد صرامة على الهجرة غير الشرعية، قائلاً إنها «تدمر أوروبا»، ودعا إلى «تقليص جذري للوجود الإسلامي في الاتحاد الأوروبي».
كما تعهد زعيم «شيغا» أيضاً «بوضع حد للفساد» بين النخبة السياسية في البرتغال، وهو الشعار الموجود على ملصقات حملته الانتخابية في جميع أنحاء لشبونة. وتجد هذه الرسالة صدى لدى الناخبين في انتخابات يلعب فيها الفساد دوراً مركزياً. واستقال رئيس الوزراء البرتغالي، في نوفمبر الماضي، بعد أن ألقت الشرطة القبض على رئيس مكتبه، وداهمت مقر إقامته ومباني حكومية في ما يتعلق بمزاعم عن استغلال النفوذ في صناعة تعدين الليثيوم في البرتغال. ولم يتم اتهام كوستا نفسه بارتكاب أي مخالفات. ومن المقرر أن يمثل رئيس وزراء اشتراكي سابق آخر، وهو خوسيه سوقراطيس، للمحاكمة بتهمة فضيحة فساد منفصلة.
حركة دولية
من الواضح أن فينتورا يرى نفسه جزءاً من حركة يمينية متطرفة دولية. وبعد فوز خافيير مايلي بالانتخابات الرئاسية في الأرجنتين في نوفمبر الماضي، كتب فينتورا على موقع «إكس»، قائلاً إن «المعركة للدفاع عن المجتمع تجري في مناطق عدة، وفي الأرجنتين تم الفوز بالمعركة الأولى!». وأخيراً، قال لصحيفة «فاينانشيال تايمز» إنه يعتبر الزعيم اليميني المتطرف، الإيطالي ماتيو سالفيني «صديقاً جيداً جداً»، وأن لديه «علاقة وطيدة» مع السياسي الهولندي خيرت فيلدرز، الذي جاء حزبه اليميني المتطرف من أجل الحرية في المرتبة الأولى في انتخابات نوفمبر 2023. وأضاف فينتورا «أعتقد أننا متحدون ونحن أقوياء».
وقالت أستاذة السياسة المقارنة في جامعة يورك البريطانية، دافني هاليكوبولو، التي تركز على الأحزاب اليمينية المتطرفة، إن البرتغال جزء من «النمط المؤسف لليمين المتطرف الذي ينمو في كل مكان». ومع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي، فإن المكاسب الكبرى التي حققها اليمين المتطرف في البلاد سيُنظر إليها على أنها مؤشر للاتجاهات السياسية في جميع أنحاء القارة، مدفوعة بالمشاعر المناهضة للمهاجرين، وشعبوية المؤسسة، وأزمات غلاء المعيشة. عن «فورين بوليسي»
. عندما ظهر «شيغا»، في 2019، بدا من المرجح أن يواجه الرياح المعاكسة التي واجهها أسلافه.
. دور فينتورا كمعلق محترف لكرة القدم جعله معروفاً في جميع أنحاء البلاد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news