الحكومة الأميركية تسعى لإصدار قانون يحظر «تيك توك» تحت ذريعة الأمن القومي
بعد أشهر من السكون اندلع الجدل مرة أخرى حول حظر التطبيق الشهير «تيك توك» في الولايات المتحدة، حيث أيد المشرعون من كلا الجانبين بشكل مدوٍّ مشروع قانون من شأنه إزالة تطبيق الفيديو القصير من متاجر التطبيقات الأميركية ما لم يبعه مالكه، عملاق التكنولوجيا الصيني «بايتدانس»، إلى شركة أميركية أو شركة متحالفة مع أميركا.
وفي تصويت الأربعاء الماضي، صوت 352 من أعضاء مجلس النواب لصالح مشروع القانون من بينهم 197 جمهورياً و155 ديمقراطياً، مقابل تصويت 65 فقط ضده، ويتعين الآن إقرار مشروع القانون في مجلس الشيوخ، ولكن لايزال مساره غير واضح، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي إنه سيوقعه ليصبح قانوناً إذا وصل إلى مكتبه.
مشروع القانون الذي قدمه النائب مايك غالاغر من ولاية ويسكونسن، وهو جمهوري يرأس اللجنة التابعة لمجلس النواب والمعنية بالمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، حدد ساعة العد التنازلي لملكية «تيك توك» الصينية دون أن يذكر التطبيق بالاسم، ونص على تحويل ملكية أي تطبيق مملوك لخصم أجنبي يمثل تهديداً للأمن القومي إلى كيان آخر غير معادٍ خلال 180 يوماً.
ومع ذلك، أوضح غالاغر والعديد من المشرعين الآخرين أن «تيك توك» هو الهدف المقصود. وقال غالاغر في كلمة ألقاها في قاعة مجلس النواب قبل تصويت يوم الأربعاء: «(تيك توك) يمثل تهديداً لأمننا القومي لأنه مملوك لشركة (بايتدانس)، التي تنفذ أوامر الحزب الشيوعي الصيني، وبالتالي فإن مشروع القانون هذا يجبر (تيك توك) على الانفصال عن الحزب الشيوعي الصيني».
هذه ليست المحاولة الأميركية الأولى لحظر «تيك توك»، حيث تم طرح التجريد القسري للمرة الأولى في أغسطس 2020 بموجب أمر تنفيذي أصدره الرئيس السابق دونالد ترامب. وتم إغلاق هذا الجهد من قبل العديد من المحاكم الفيدرالية التي رأت أن إدارة ترامب «تجاوزت على الأرجح» في محاولتها استخدام سلطتها لحظر التطبيق.
وتقول المستشارة التكنولوجية السابقة في البيت الأبيض، ليندساي جورمان، التي ترأس الآن فريق التكنولوجيا والجغرافيا السياسية في تحالف صندوق مارشال الألماني لتأمين الديمقراطية، إن أتباع المسار التشريعي هذه المرة سيعطون أي حظر محتمل «ثقلاً أكبر بنسبة 200%».
استمر الضغط على «تيك توك» في إدارة بايدن، لكن الجهود اللاحقة في كل من مجلسي النواب والشيوخ لحظر التطبيق أو تقييده فشلت في جذب الاهتمام. ووقع بايدن قانوناً يحظر استخدام «تيك توك» على الأجهزة الحكومية الأميركية في عام 2022، لكن الدعوات المطالبة بحظر أوسع لم تُؤتِ ثمارها بعد.
ربما يتغير هذا الآن بسرعة، بالنظر إلى الدعم الحزبي والتنفيذي لأحدث مشروع قانون، وحقيقة أن إقراره في مجلس النواب جاء بعد أسبوع فقط من تقديم غالاغر له. إنه جزء من اعتراف أوسع بالتهديد الذي تمثله صناعة التكنولوجيا في الصين، والذي أمضت إدارة بايدن معظم فترة ولايتها البالغة أربع سنوات في محاولة التخفيف من حدتها، بما في ذلك القيود العديدة على تصدير رقائق أشباه الموصلات للصين، والاستثمار التكنولوجي الخارجي داخلها، وأخيراً صدور الأمر التنفيذي بشأن أمن البيانات.
وقالت مديرة مجموعة روديوم، ريفا جوجون، التي تركز أبحاثها على العلاقات الأميركية الصينية وعلاقات الصين: «يبدو الحظر الآن وكأنه خيار أكثر قبولاً من الناحية السياسية، في حين أن هذا لم يكن الحال قبل عامين فقط». السياسات الصناعية أشارت إلى القيود الأخيرة لأمن البيانات على وجه الخصوص بأن «كانت النافذة للقول إن (تيك توك) تقع بشكل مباشر ضمن نظرية الضرر هذه»، متسائلة: «لماذا لا يتم تنشيط هذه القضية بتشريع من الحزبين؟».
كانت «تيك توك» حتى الآن على أتم استعداد لاستيعاب الضغوط الأميركية وتهدئة المخاوف بشأن ممارسات جمع البيانات والنفوذ الصيني على خوارزمياتها، حيث أنفقت 1.5 مليار دولار على مبادرة تسميها «مشروع تكساس»، التي تسعى إلى عزل بيانات مستخدمي «تيك توك» الأميركيين، بحيث لا يمكن الوصول إليها من خارج البلاد، ولكن مع التشكيك في هذه الجهود ومواصلة المشرعين لفرض الحظر، أصبح التطبيق الآن في موقف هجومي.
وقال متحدث باسم «تيك توك» في بيان: «هذا التشريع له نتيجة محددة مسبقاً: حظر كامل لـ(تيك توك) في الولايات المتحدة». الأسبوع الماضي أرسلت «تيك توك» إشعارات إلى ملايين المستخدمين الأميركيين تطلب منهم الاتصال بممثليهم المنتخبين وإخبارهم بمعارضة التشريع، ما أدى إلى إغراق العديد من مكاتب الكونغرس بالمكالمات.
وتحول منصة التواصل الاجتماعي اهتمامها أيضاً إلى مجلس الشيوخ الذي أصبح مكلفاً الآن بدفع مشروع القانون إلى الأمام. وأضاف المتحدث: «نأمل أن ينظر مجلس الشيوخ في الحقائق، ويستمع إلى ناخبيه، ويدرك التأثير على الاقتصاد وسبعة ملايين شركة صغيرة و170 مليون أميركي يستفيدون من خدماتنا».
الحجم الهائل لقاعدة المستخدمين هذه التي يهيمن عليها الشباب (تشير تقديرات عام 2023 إلى أن أكثر من 60% من البالغين الأميركيين في الجيل Z يستخدمون التطبيق يومياً)، جعل أي إجراء ضد «تيك توك» محفوفاً بالمخاطر السياسية. وعلى الرغم من إعلان إدارة بايدن دعمها للحظر، فإن حملة إعادة انتخاب الرئيس أنشأت حساباً على «تيك توك» وتوددت إلى أصحاب النفوذ على المنصة في محاولة للوصول إلى الناخبين الشباب.
وتقول جوجون: «أنا في الواقع مندهشة إلى حد ما من أن (تيك توك) جمعت هذا القدر من الزخم من الحزبين في الكونغرس، بالنظر إلى حقيقة أن الحظر الفعال على (تيك توك) لا يحظى بشعبية كبيرة من الناحية السياسية لدى عدد من الناخبين الأميركيين الشباب بشكل خاص»، «لكن عليك أن تزن عدد النقاط التي يمكنك تسجيلها عندما تكون متشدداً بشأن قضية الصين مقابل محاولة تجنب تنفير ناخبيك».
قام ترامب، مهندس أول حظر على «تيك توك» في الولايات المتحدة، والذي واصل خليفته نهجه الصارم تجاه الصين، بتغيير موقفه بشكل أكبر وأكثر إثارة للدهشة الأسبوع الماضي، قائلاً على منصته الخاصة لوسائل التواصل الاجتماعي، «تروث سوشيال»، إن حظر «تيك توك» من شأنه أن يعزز أعمال «فيس بوك»، الذي وصفه بأنه «العدو الحقيقي للشعب». وكرر ترامب هذا الشعور في مقابلة لاحقة مع محطة «سي إن بي سي»، لكنه أقر بأنه على الرغم من أنه يعتبر «تيك توك» تهديداً للأمن القومي، إلا أن هناك «الكثير من الأطفال الصغار على (تيك توك) الذين سيصابون بالجنون من دونها». وسُئل ترامب أيضاً عن اجتماعه الأخير مع الملياردير والمتبرع المحافظ جيف ياس، الذي يمتلك حصة 15% في الشركة الأم لـ«تيك توك» بايتدانس. وقال ترامب إن ياس لم يذكر «تيك توك» قط في اجتماعهما.
ويبدو أن معارضة ترامب المفاجئة أضعفت حماس الجمهوريين للحد من نفوذ «تيك توك»، حيث صوت 15 جمهورياً فقط في مجلس النواب ضد مشروع القانون يوم الأربعاء مقارنة بـ50 ديمقراطياً. وتطغى مخاوف الأمن القومي حول التطبيق حالياً على أي شيء آخر، حيث حذر العديد من مسؤولي المخابرات الأميركية من «تيك توك» في جلسة استماع بمجلس الشيوخ هذا الأسبوع بعد أن سلط مكتب مدير المخابرات الوطنية في تقريره السنوي لتقييم التهديدات لعام 2024 الضوء على إمكانات استخدام الصين لـ«تيك توك» للتدخل في الانتخابات الأميركية.
ولايزال الطريق طويلاً حتى لو أصبح مشروع القانون قانوناً. وبحسب ما ورد تخطط «تيك توك» لاستخدام كل السبل القانونية لمحاربة التجريد القسري، وقد جادل منتقدو الحظر سابقاً بأنه – أي الحظر - يمكن أن ينتهك حماية حرية التعبير المنصوص عليها في التعديل الأول. ويمكن للصين أيضاً أن تمنع «بايتدانس» من بيع «تيك توك»، كما ألمحت في الماضي إلى أنها ستفعل. وانتقد المسؤولون الصينيون هذا الأسبوع مشروع القانون ووصفوه بأنه «تنمر» من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة.
لكن في واشنطن لم يكن الزخم لفرض الحظر أكبر من ذلك بكثير، فقد قال السيناتور الديمقراطي مارك وارنر والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، وكلاهما معارضان صريحان لـ«تيك توك» ومؤيدان للتشريعات السابقة ضدها، في بيان إنهما مازالا «متحدين» في قلقهما بشأن ملكية التطبيق للصين. وقالا: «لقد شجعنا التصويت القوي بين الحزبين في مجلس النواب، ونتطلع إلى العمل معاً لتمرير مشروع القانون هذا عبر مجلس الشيوخ والتوقيع عليه ليصبح قانوناً».
ووفقاً لجورمان، ربما يكون رد فعل «تيك توك» ضد التشريع وحملة الضغط على المشرعين قد ألحقا المزيد من الضرر بقضيتها هذه المرة، مضيفاً: «أعتقد أن جهود الضغط الخرقاء التي شهدناها أواخر الأسبوع الماضي يجب أن تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ - وربما كانت كذلك للكونغرس - حول كيف يمكن للحزب الشيوعي الصيني أن يأمر (تيك توك) بتعبئة الناخبين الأميركيين لدعم سياسته الخاصة».
عن «فورين بوليسي»
. استمر الضغط على «تيك توك» في إدارة بايدن، لكن الجهود اللاحقة في كل من مجلسي النواب والشيوخ لحظر التطبيق أو تقييده فشلت في جذب الاهتمام. ووقع بايدن قانوناً يحظر استخدام «تيك توك» على الأجهزة الحكومية الأميركية في عام 2022، لكن الدعوات المطالبة بحظر أوسع لم تُؤتِ ثمارها بعد.
. لايزال الطريق طويلاً حتى لو أصبح مشروع القانون قانوناً. وبحسب ما ورد تخطط «تيك توك» لاستخدام كل السبل القانونية لمحاربة التجريد القسري، وقد جادل منتقدو الحظر سابقاً بأنه – أي الحظر - يمكن أن ينتهك حماية حرية التعبير المنصوص عليها في التعديل الأول.