حكاية خبر سنغالي
تصدر خبر، لم يكن يرقى إليه - وقت بثه - الشك، مفاده أن الحكومة السنغالية قامت باعتماد «العربية» لغةً رسميةً للبلاد بدلاً من اللغة الفرنسية، صفحات مواقع التواصل والصحف، تحدثت عن ردة فعل لم تخلُ من تعاطف في الدوائر العربية.
بدأ الخبر في مواقع محدودة الانتشار، لكن مصداقية الخبر زادت بعد أن نقلته «وكالة الوئام الوطني للأنباء» الموريتانية، ربما بوصفها «وكالة أنباء»، حيث يعطي الناس الوكالات موثوقية أعلى، من جهة، وبوصف الروابط الخاصة التي تملكها موريتانيا مع السنغال، من جهة أخرى. كذلك زادت المصداقية درجات مضاعفة حين نُشر الخبر على موقع «مجمع اللغة العربية» بالقاهرة، بصيغة مرحبة، وأُرفقت صورة لعلم السنغال مع الخبر، معتمداً بالتأكيد في نشره على الثقة في المواقع الرصينة.
الصدفة شاءت أن يُشكك معدو برنامج «ترندنغ» الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في الخبر، وربما جاء ذلك لمحاولتهم إثراءه وتحري كواليسه، فاتصلت مذيعة البرنامج رانيا العطار بمدير «وكالة الوئام» تسأله عن مصدره، فصارحها بأن الوكالة لا تملك مصدراً مباشراً للخبر، وإنما نقلته الوكالة عن موقع «الميادين» اللبناني، فذهبت مذيعة «ترندنغ» إلى موقع الميادين، فوجدت أن الخبر مكتوب على الصفحة، لكن حين ضغطت عليها، حولها إلى رابط الخلل «404» وصفحة بيضاء، فظلت تتتبع الخيط حتى اكتشفت أن مصدر الخبر الرئيس «انفلونسر» أو مؤثر، ونقله الجميع عنه.
الطامة الكبرى أن العطار حين وصلت إلى المصدر السنغالي الذي يمكن أن يكون مسؤولاً عن خبر من هذا النوع، وهو مدير النقابة الوطنية للتعليم العربي مصطفى سيناد، أخبرها أن «الخبر لا أساس له من الصحة، وأن الدولة السنغالية ماتزال تُعدُّ اللغة الرسمية لها هي اللغة الفرنسية، وأن اللغة العربية هي الثانية في الدوائر الإدارية».
قصة الشائعة التي تتحول إلى خبر بسبب التفكير بالتمني، تتكرر عربياً وعالمياً باطراد.
وفي الحالة السنغالية، كان كل الذي حدث طبقاً لمصادر سنغالية، حاولت تفسير الواقعة هو أن الرئيس الجديد سيرو ديوماي غاي «وعد خريجي الجامعات والمعاهد العربية بتحسين وضعية إدماجهم»، كما أن «حاملي الشهادات العربية سيتم الاعتماد عليهم في الوظائف الحكومية والإدارية خلافاً لما كان يحدث في السابق». والمثير في قصص من هذا النوع هو أن «المحللين» على استعداد للتنظير «للخبر- الشائعة» بعد النشر بثوانٍ، وبعضهم يورد تحليلات واستنتاجات متخيلة وبعيدة عن الواقع، تشكل تجاوزاً إعلامياً جديداً بحق الحقيقة، وهذا ما حدث بحذافيره في الحكاية السنغالية.
• الصدفة شاءت أن يُشكك معدو برنامج تبثه هيئة الإذاعة البريطانية في الخبر.