زمن المراسل الحربي
سن العالم منذ 14 عاماً تقليداً حميداً، بأن جعل الـ19 من أغسطس من كل عام هو اليوم العالمي للتصوير الفوتوغرافي، فيما اعتبر احتفاء ضمنياً بالمصور الصحافي، لكن أصواتاً إعلامية متزايدة طالبت بالاحتفاء بشكل خاص بفئة أخرى، تنقل الصورة الحية الملتهبة من قلب المعارك، وتحتل أهمية خاصة في الوقت الراهن، وهي «المراسلون الحربيون».
فالتصوير الفوتوغرافي، بحسب هؤلاء، منذ ظهوره عام 1839 في فرنسا على يد جوزيف ينبس ولوجين داغير، طبقاً لروبرت خيش في «الإمساك بالصورة»، وثق، ويوثق لحظات مهمة في التاريخ الإنساني بلا شك، لكن هذا يتم في أحايين كثيرة في أوقات هادئة وأجواء خالية من المخاطر، بينما في المقابل يلتقط المراسل الحربي الصورة من وسط النيران والانفجارات، وشبح الموت يتراقص أمام الجميع، بمن فيهم المراسل، كما أنه يصارع وهو يلتقط هذه الصورة مع محاربين عنيدين لا يحبذون أو على الأقل لا يحبذ طرف منهم وجوده، ليأتي لنا بالحقيقة والدليل.
ويشير مستشار التدريب في مركز دارك جامين ريس في مقال كتبه لـ«غلوبال إنفستيغيتف جورناليزم» إلى أن المخاطر التي يواجهها المراسل الحربي لا تتوقف فقط عند تهديدات الموت، فهناك علاوة على ذلك التعرض للصدمات المباشرة التي تؤدي إلى صعوبات في التركيز، والاضطرابات الفسيولوجية، وسوء المزاج، والميل للتفكير السلبي، وتسرب الأجواء العنيفة المحيطة به لحياته ونفسيته، ونظرته للعالم، والشعور بالإرهاق العميق، والشعور بالذنب، وفقدان الثقة بالآخرين.
ويواجه المراسل الحربي، كما تقول هديل أريجا في شبكة الصحافيين الدوليين تحدياً آخر هو ذاك الأخلاقي، نظراً لحساسية الصورة التي يلتقطها، وعليه أن يوازن فيها بين توثيق الحقيقة وخصوصية الأفراد، خصوصاً في الأحداث الأشد قسوة، فمن أخلاق العمل الصحافي عدم تصوير شخص مقتول ملطخ بالدماء، أو آخر وهو يموت، وفي حالات عليه التقاط صور رمزية مثل يد أو أحذية أطفال، تحاشياً لصورة مجزرة.
وعلى الرغم من أن المخاطر التي يواجهها المراسل الحربي متقاربة، إلا أن خبراء الإعلام يفرقون بين الصحافي المرافق، الذي يتحرك في معية جيش وجنود، والمراسل الحربي المستقل، حيث يعتبرون الأول حاصل على درجة معقولة من الحماية، بحسب «كروم دوت كوم». الغريب أن القانون الدولي في أول اعتراف له بوضعيتهم 1907 يعتبرهم «أسرى» حال اعتقالهم، وأقر ذلك في اتفاقية جنيف عام 1929.
والأكثر غرابة أن الصحافيين استقبلوا ذلك بترحاب، حيث أعفاهم ذلك من صفة جواسيس، ولم يتطور هذا الوضع إلا بصدور المادة 79 لبروتوكول الأمم المتحدة الصادر عام 1977 الذي ألحق بمعاهدة جنيف، والذي نص صراحة على أن المراسل الحربي يجب أن يعامل معاملة المدنيين في الحروب، طبقاً لمصادر متطابقة.