تجهيز قاعدة أسترالية نائية لحرب محتملة مع الصين
تجري الاستعدادات في قاعدة جوية غير معروفة على طول الطريق الصحراوي المنعزل وسط أستراليا، لاحتمال وقوع كارثة عالمية. وإذا وجد الغرب نفسه في حرب مع الصين، فإن قاعدة «تيندال» التابعة لسلاح الجو الملكي الأسترالي ستلعب دوراً محورياً.
وفي جنوب داروين، تقوم وحدات عسكرية بإعداد القاعدة غير المأهولة سابقاً لوصول قاذفات «بي 52» الاستراتيجية القادرة على حمل الأسلحة النووية، وفي وقت لاحق، لقاذفات الشبح الأميركية.
وتم تمهيد المدارج للتعامل مع أكبر الطائرات العسكرية، كما انتهت الأعمال في مخابئ الوقود الضخمة التي يمكنها أن تخزن 14 مليون لتر من وقود الطائرات، وسيبدأ قريباً بناء مرائب جديدة لاستيعاب ما يصل إلى ست طائرات «بي 52» الأميركية العملاقة، والتي يبلغ طول جناحي كل منها 56 متراً.
والمخابئ المموهة بشكل جيد يوجد بها معدات الكمبيوتر، وهناك مهاجع جديدة، مع مئات الأسرّة الاحتياطية، إضافة إلى أنظمة الطاقة تحت الأرض المدعومة بمولدات الطوارئ الضخمة من صنع «رولز رويس»، والتي تكلف ملايين الدولارات، ومن شأنها أن تزيد من المرونة في حالة وقوع هجوم.
دور أميركا
إن العديد من مقاتلات الشبح الأسترالية من طراز «إف 35»، التي سيبلغ عددها في نهاية المطاف 72 مقاتلة، متمركزة بالفعل في قاعدة «تيندال»، على بعد أكثر من 300 كيلومتر جنوب داروين في أقصى شمال أستراليا. لكن هل الولايات المتحدة هي التي تنفق الجزء الأكبر من مبلغ 1.8 مليار جنيه إسترليني، لتحويل القاعدة النائية إلى رأس حربة قاتلة لتكون جاهزة في حالة اندلاع الحرب؟
قالت قائدة القاعدة التابعة للقوات الجوية الأسترالية فيونا بيرس: «ستكون القاعدة ومنشآتها كبيرة بما يكفي لاستقبال أي طائرة في العالم، وسنعمل على تشغيل كل أنواع الطائرات المختلفة».
وفي هذا السياق، ذهب النائب الجمهوري مايكل ماكول، الذي يترأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إلى أبعد من ذلك، حيث وصف أستراليا بأنها «القاعدة المركزية للعمليات» للجيش الأميركي لمواجهة «الصين» في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
حالة طارئة
إن الوجود الأميركي المتزايد بسرعة في أستراليا، هو حالة طارئة بسبب الجغرافيا، وفقاً للخبراء الذين يرون أنها فُرضت على واشنطن لأن القواعد الأميركية الأقرب إلى الصين، لاسيما في غوام في غرب المحيط الهادئ وأوكيناوا في جنوب اليابان، أصبحت الآن في مرمى الصواريخ الباليستية الصينية.
ويرى مدير برنامج الأمن الدولي في معهد لوي للأبحاث في سيدني سام روجيفين، أن «الأمر في الحقيقة ردة فعل على المدى المتزايد للصواريخ الباليستية الصينية وقدرتها القاتلة، خصوصاً قدرتها على ضرب غوام». وقال: «إذا لم تكن القاذفات الأميركية الاستراتيجية آمنة في غوام، فعليها أن تنسحب».
وهذه النقطة أكد عليها الخبير في استراتيجية الدفاع وأستاذ الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الوطنية الأسترالية، بول ديب، الذي قال إن الحشد العسكري في أستراليا كان بمثابة «بوليصة تأمين» لواشنطن.
تعاون روتيني
في المقابل، يبدو القادة العسكريون الأستراليون أكثر حذراً، ويصورون الوجود الأميركي المتزايد على أنه يحسّن الأمن الداخلي.
وهم ونظراؤهم الأميركيون، الذين يدركون الحظر الأسترالي الطويل الأمد على استضافة القواعد العسكرية الأجنبية، يصرون على وصف الوجود البحري الأميركي وقاذفات «بي-52» العملاقة بأنه يأتي ضمن التعاون العسكري الروتيني.
وقال المسؤول في القوات الجوية الأسترالية، العميد مايك ساي «إنها (القوات الأميركية) توفر دعماً إضافياً لاستراتيجيتنا الدفاعية الوطنية، والتي تركز بوضوح على استراتيجية الردع».
من جهته، كتب روجيفين، الذي عمل محللاً في وكالة الاستخبارات الأسترالية، تقريراً عن كيفية استخدام الولايات المتحدة للقاذفات العملاقة المتمركزة في أستراليا كـ«شاحنات صواريخ» ضد الصين في حال اندلعت الحرب.
ومن خلال الطيران بعيداً إلى الشمال من «تيندال»، في بعض أطول مهام القصف في التاريخ، يمكن لكل منها إطلاق ما يصل إلى 20 صاروخ «كروز» على مرافق الاتصالات والقيادة والتحكم ومحطات الطاقة والقواعد العسكرية الصينية.
ومع ذلك، لن تكون قاذفات «بي-52» التي تعود إلى حقبة الخمسينات فقط، هي التي ستعمل انطلاقاً من «تيندال»، فبحسب روجيفين، ستستوعب الترقيات السريعة للقاعدة أيضاً، قاذفة القنابل الثقيلة الأميركية «بي-2» وبديلتها بعيدة المدى «بي-21»، التي قامت برحلتها الأولى العام الماضي.
صوت مألوف
على بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة بالسيارة إلى الشمال، خارج داروين مباشرة، يبدو الحشد العسكري الأميركي أكثر وضوحاً لسكان المدينة التي تضم 130 ألف نسمة.
ويهيمن مستودع وقود أميركي شاهق الارتفاع على الأفق، وأصبح هدير طائرات مشاة البحرية الأميركية، المتمركزة في المدينة الاستوائية، صوتاً مألوفاً.
ومع ذلك، فإن موقف رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ووزير دفاعه ونائب رئيس الوزراء ريتشارد مارليس، إزاء التعزيزات الدفاعية الأميركية يختلف عن موقف أسلافهما، حيث كان بوب كار، الذي شغل منصب وزير الخارجية حتى أواخر عام 2013، ورئيس الوزراء السابق بول كيتنغ، ضد التواجد الأميركي المكثف في أستراليا.
وقال كار: «كل هذا يضمن تقريباً أنه في حال نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين، سنكون مستهدفين»، مضيفاً: «أجد هذا غريباً وأجد أنه من المستهجن تماماً أنه لم تكن هناك شفافية مع الجمهور الأسترالي».
وتابع وزير الخارجية السابق: «لقد عسكرنا شمال أستراليا، وبالتالي سيتم تجنيدنا على الفور للحرب».
بدوره، يقود كيتنغ، الذي خدم لفترة طويلة في الحكومات الأسترالية وزيراً للخارجية، «تمرداً» ضد خطة شراء ثلاث غواصات نووية أميركية مستعملة من طراز «فيرجينيا»، قبل وصول أسطول جديد مصمم في بريطانيا، والذي يستخدم التكنولوجيا البريطانية والأميركية.
استقلال عسكري
ورفض كيتنغ التأكيدات بأن احتضان أستراليا المتزايد للآلة الحربية الأميركية لن يمس الاستقلال العسكري، وقال الشهر الماضي، إن «ما يدور في ذهن الأميركيين حول أسطول الغواصات الأسترالي هو تحويل أستراليا إلى أغبياء، واحتجازنا لمدة 40 عاماً مع وجود قواعد أميركية في كل مكان».
لكن ساي - العميد في القوات الجوية - أصر على أن أستراليا ستحتفظ بسيادتها، قائلاً: «كل مبادرة ونشاط تسعى الولايات المتحدة إلى القيام به يجب أن يتم الاتفاق عليه بشكل متبادل».
عن «التايمز» اللندنية
«كاثرين».. فندق العاملين في القاعدة
تقع بلدة كاثرين النائية على بعد 10 أميال فقط من قاعدة «تيندال» الجوية سريعة النمو، لكنها بعيدة كل البعد عن تطورها التقني.
وتكتظ فنادق البلدة بالفنيين والحرفيين العاملين في القاعدة، لكنها واجهت صعوبة في العثور على أي شخص لإصلاح حوض السباحة العام، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، وهو رقم غير معتاد في فصل الشتاء.
وقالت عمدة البلدة، إليزابيث كلارك: «يريد الناس القيام بالمهام الكبيرة في القاعدة الجوية، ولا يريدون القيام بالمهام الصغيرة التي توجد مثيلاتها في البلدة». وعبّرت عن قلقها، قائلة: «سواء تعلق الأمر بالصين أو بأي شيء آخر، لا نعرف ماذا سيحدث، وأعتقد أن الناس يدركون أننا أصبحنا الآن هدفاً».
. القادة العسكريون الأستراليون يعتبرون أن الوجود الأميركي المتزايد يحسّن الأمن الداخلي.
. الترقيات السريعة للقاعدة تستوعب قاذفة القنابل الثقيلة «بي- 2»، وبديلتها بعيدة المدى «بي - 21».