تؤيد تطلعات «المجموعة» رغم علاقتها الوثيقة مع واشنطن والمؤسسات الغربية

سيؤول ترى في «بريكس» فرصة للوصول إلى دول الجنوب

قمة «بريكس »2024 في روسيا عززت موقع المجموعة ممثلةً للجنوب العالمي. أ.ف.ب

في عام 2024، بدأت دول مجموعة «بريكس» توحيد جهودها على الصعيد الدولي بصورة جماعية، حيث تشكل دول المجموعة مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ونحو 42% من عدد سكان العالم بنحو 3.2 مليارات نسمة، في حين يصل ناتجها المحلي الإجمالي إلى نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسيطر على نحو 18% من التجارة العالمية.

ووفق توقعات صندوق النقد الدولي، ستسهم دول «بريكس» (روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والإمارات والسعودية ومصر وإثيوبيا وإيران والبرازيل)، في 50% من نمو إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات المقبلة، ما يؤكد زيادة أهميتها على المشهد الاقتصادي العالمي.

وتظل الصين والهند على وجه الخصوص المحركين الاقتصاديين الرئيسين في المجموعة، حيث يحافظ كل منهما على مسارات قوية، مدعومة بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وصعود الهند كمركز تصنيع بارز.

وإضافة إلى هذين العملاقين، تستفيد روسيا من مواردها الهائلة للطاقة، فيما تستفيد البرازيل من ثرواتها الزراعية والطبيعية، وتدعم جنوب إفريقيا جهود التحالف في القارة الإفريقية.

ويمكّن هذا التنوع الاستراتيجي مجموعة «بريكس» من ممارسة نفوذ كبير في تشكيل الأجندات الاقتصادية والسياسية العالمية.

قوة موازنة

وأصبحت مجموعة «بريكس» حالياً قوة موازنة للمؤسسات المالية التقليدية التي يقودها الغرب، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، بهدف استعادة التوازن والعدالة في النظام الاقتصادي العالمي الناشئ.

ويمتد مصرف التنمية الجديد، الذي بدأ برأسمال قدره 100 مليار دولار لتمويل البنية التحتية والمشاريع المستدامة، إلى ما هو أبعد من أعضاء مجموعة «بريكس»، حيث الاقتصادات الناشئة الأخرى.

وتعكس هذه المبادرة، فضلاً عن الجهود الرامية إلى تشجيع التجارة بالعملات المحلية، استراتيجية تهدف إلى الحد من الاعتماد على الأنظمة القائمة على الدولار، وتحدي الهيمنة الغربية في الحوكمة المالية العالمية.

وعلاوة على ذلك، طرحت «بريكس» نفسها كممثل للجنوب العالمي، حيث تدافع عن مبادئ عدم التدخل في شؤون الآخرين والتنمية المشتركة.

وعززت قمة «بريكس 2024» في روسيا ذلك، عن طريق الترحيب بدولة الإمارات والسعودية ومصر وإثيوبيا وإيران والبرازيل، حيث سلّطت الضوء على طموحها لتشكيل تجمع أكثر شمولاً وذي نفوذ عالمي أكبر.

«مجموعة ثرية»

وأدى صعود كوريا الجنوبية كلاعب اقتصادي وتكنولوجي مهم إلى تحولها إلى لاعب مهم في الجيوسياسية الدولية.

وباعتبارها عضواً مهماً في مجموعة العشرين، دعت كوريا الجنوبية باستمرار إلى زيادة تمثيل الاقتصادات الناشئة في مؤسسات الحوكمة العالمية.

وعلى الرغم من عدم عضويتها في «بريكس»، إلا أن كوريا الجنوبية تؤيد تطلعات المجموعة، حيث ترى سيؤول أن مجموعة «بريكس»، التي تصفها بـ«الثرية»، طريق إلى جنوب العالم، خصوصاً في تنويع الشراكات الاقتصادية، والحد من الاعتماد على النظام الدولي الذي يركز على الغرب.

وتؤكد السياسات الاستراتيجية لكوريا الجنوبية، مثل السياسة الجنوبية الجديدة، على تعزيز المشاركة مع الاقتصادات الناشئة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وهي المناطق التي تتمتع فيها دول مجموعة «بريكس»، لاسيما الهند، بنفوذ كبير.

وترى كوريا الجنوبية أن التعاون الوثيق مع «بريكس» يقدم العديد من الفوائد، وذلك من خلال المشاركة النشطة في المبادرات التي تقودها المجموعة، مثل بنك التنمية الجديد، حيث يمكن لكوريا الجنوبية أن تكتسب موطئ قدم في الأطر المالية الناشئة، ما يقلل من اعتمادها على الأنظمة المالية الغربية التقليدية، ويوسع نفوذها في الحوكمة الاقتصادية العالمية.

ويتيح التعاون مع مؤسسات «بريكس» لكوريا الجنوبية الفرصة للوصول إلى الأسواق الناشئة، والمشاركة في جهود التكامل الإقليمي المتنامية بين أعضاء مجموعة «بريكس» وحلفائهم.

الهند وكوريا الجنوبية

تعتبر الهند وكوريا الجنوبية شريكتين استراتيجيتين واقتصاديتين قويتين بالفعل، لكن مع توسيع «بريكس» لنفوذها في الساحة العالمية مع الهند كلاعب رئيس، يمثل ذلك فرصة فريدة لكوريا الجنوبية لتعزيز مكانتها العالمية من خلال تعزيز علاقاتها الثنائية، والتعاون بشكل أوثق في القضايا الأمنية والاستراتيجية العالمية.

وتتمتع الدولتان بقوى تكاملية ومصالح مشتركة، ما يجعل هذا التعاون مفيداً بشكل متزايد وسط ديناميكيات عالمية متغيرة.

وقد أسست الهند وكوريا الجنوبية شراكة اقتصادية قوية، لكن لايزال هناك إمكانات كبيرة لتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية.

ومع صعود «بريكس»، يمكن للهند وكوريا الجنوبية التركيز على توسيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، لتشمل مجالات مثل التجارة الرقمية، وحقوق الملكية الفكرية، والخدمات، وهذا لن يوفر الوصول التفضيلي إلى السوق ويعزز أحجام التجارة الثنائية فقط، وإنما سيساعد كوريا الجنوبية أيضاً على تعزيز علاقاتها مع الجنوب العالمي.

وإلى جانب ذلك، تستطيع كوريا الجنوبية الاستفادة من الهند كمركز تصنيع بديل وسط سلاسل التوريد العالمية المتغيرة، خصوصاً في مجال الإلكترونيات وأشباه الموصلات وتصنيع السيارات.

ويمكن أن تقدم المشاركة في مشاريع البنية التحتية الطموحة في الهند، مثل خط أنابيب البنية التحتية الوطنية ومشروع المدن الذكية، فرصاً أخرى للشركات الكورية لتوسيع نفوذها، والاستفادة من مسار النمو السريع في الهند، ما يعزز مشاركة كوريا الجنوبية مع دول مجموعة «بريكس».

ويتطلب المشهد الجيوسياسي المتطور علاقات استراتيجية أقوى بين كوريا الجنوبية والجنوب العالمي.

ويمكن للتعاون الوثيق مع الهند في الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والشاملة، وتعزيز التنسيق البحري، وتعزيز الجهود المشتركة في عمليات مكافحة القرصنة ومكافحة الإرهاب، أن يعزز الأمن والاستقرار الإقليميين، ويعزز دور كوريا الجنوبية كمزود للأمن الصافي.

الروابط الثقافية

ويعتبر تعزيز الروابط الثقافية، وتعزيز التبادلات بين السكان، أمراً ضرورياً لدعم التعاون الأعمق. ومن خلال تعميق التبادلات الأكاديمية، وتوفير المنح الدراسية، وإنشاء مراكز بحثية مشتركة، وتعزيز التعاون الثقافي في مجالات مثل السينما والموسيقى والمطبخ، تستطيع كوريا الجنوبية تعزيز التفاهم المتبادل، ودعم الشراكات الأوسع مع الهند.

ويمكن أن يكون هذا التبادل الثقافي بمثابة بوابة لكوريا الجنوبية للتواصل مع دول «بريكس» والجنوب العالمي، وهو ما يشكل تحدياً بسبب علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة والمؤسسات التي يهيمن عليها الغرب.

وتشترك كوريا الجنوبية والهند في قيم الديمقراطية، والتنمية والتعاون الدولي.

ومع صعود مجموعة «بريكس»، تستطيع الهند أن تعمل كجسر، فتجلب وجهات نظر كوريا الجنوبية إلى الحوارات المتعددة الأطراف. ومن الممكن أن تعمل الجهود المشتركة في منصات، مثل مجموعة العشرين، والأمم المتحدة، ورابطة دول جنوب شرق آسيا، على تعزيز النفوذ الدبلوماسي، وتعزيز المصالح المشتركة.

وتقدم شراكة كوريا الجنوبية مع مجموعة «بريكس»، لاسيما من خلال شراكتها المعززة مع الهند، مساراً استراتيجياً لتعزيز نفوذها العالمي، وتأمين مصالحها طويلة الأجل في عالم متعدد الأقطاب ومتطور.

وباعتبارها عضواً في النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في شمال شرق آسيا، وتعتمد بشكل كبير على واشنطن في أمنها وازدهارها الاقتصادي، فقد لا يكون من السهل على كوريا الجنوبية أن تصبح عضواً في مجموعة «بريكس» في المستقبل القريب.

لكن مع تطور النظام العالمي، وصعود مجموعة «بريكس»، تتمتع كوريا الجنوبية بموقع فريد لتعزيز تعاونها والمشاركة في مبادرات المجموعة.  عن «آسيا تايمز»


تحول فعلي

يشير صعود مجموعة «بريكس» إلى تحوّل فعلي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث تتم إعادة تعريف ديناميكيات القوة التقليدية، وتؤكد الاقتصادات الناشئة نفوذها على الساحة العالمية.

ويمكن للوضع الاستراتيجي لكوريا الجنوبية كوسيط بين التحالفات الغربية ودول «بريكس»، أن يقدم فرصة لتشكيل الحوارات الإقليمية والعالمية، وضمان بقاء صوتها مؤثراً وسط هياكل القوة المتغيرة.

. باعتبارها عضواً في النظام الأمني الذي تقوده أميركا في شمال شرق آسيا، قد لا يكون من السهل على كوريا الجنوبية أن تصبح عضواً في «بريكس» قريباً.

. تقدم شراكة كوريا الجنوبية مع «بريكس»، لاسيما من خلال شراكتها مع الهند، مساراً استراتيجياً لتعزيز نفوذها العالمي، وتأمين مصالحها طويلة الأجل في عالم متعدد الأقطاب.

تويتر