ترامب مستعد لتنفيذ وعوده الانتخابية. رويترز

عودة ترامب إلى السلطة تزيد من حالة عدم اليقين الجيوسياسي العالمي

هزّ الانتصار الساحق الذي حققه دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، الساحة العالمية، فعودة قطب الأعمال الجمهوري إلى البيت الأبيض، اعتباراً من 20 يناير المقبل، الذي سيسيطر حزبه أيضاً على الكونغرس، تزيد من حالة عدم اليقين في عالم العلاقات الدولية، وتغذي التكهنات حول الدور الذي ستلعبه واشنطن في التوازنات الجيوسياسية خلال السنوات الأربع المقبلة.

وعلى هذه الخلفية كان الرئيس المنتخب بطلاً، وإن كان غائباً، خلال أعمال قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو البرازيلية، ودعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي التقى بنظيره الأميركي، جو بايدن، في بيرو، قبل أيام، إلى «اليقين» في العلاقة بين القوتين العظميين.

إن اجتماع أكبر اقتصادات العالم كان أول اختبار رئيس لمواجهة أزمة التغير المناخي الناتجة عن التغيير الوشيك والجذري للمسار في الولايات المتحدة من جراء تهديد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومع الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إضافة إلى تزايد التوترات التجارية بين الغرب والصين وقلق حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن التغييرات المحتملة، فإن القلق منتشر في كل من أوروبا وأميركا اللاتينية.

وستعاني مكافحة تغير المناخ من تأثير هائل مع انسحاب ثاني أكبر مصدّر للغازات الملوثة من المفاوضات والمناقشات، وزار بايدن الأمازون البرازيلية، الأحد، متعهداً بتقديم 50 مليون دولار للمساعدة في الحفاظ على أكبر غابة استوائية في العالم.

وكما كانت الحال، العام الماضي، بمجموعة العشرين في نيودلهي، لم يكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حاضراً، حيث صدرت مذكرة اعتقال دولية بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

علامة فارقة

إن استضافة زعماء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو تشكّل علامة فارقة في عودة البرازيل إلى دائرة الضوء الدولية، إذ كانت أولوية بالنسبة للمضيف، الرئيس لويس إيناسيو لولا داسيلفا (79 عاماً) بعد العزلة الدبلوماسية لسنوات.

ويوم الأحد الماضي، أكد لولا على أولويتين في ختام اجتماع لرؤساء البلديات قبل القمة، مشدداً على أن مكافحة تغير المناخ يمكن أن تعزز «أجندة حضرية أوسع نطاقاً للإدماج والعدالة الاجتماعية»، كما أن «التحول البيئي يشكّل فرصة قيّمة لتوليد فرص العمل والدخل للشباب».

كما استغل الرئيس البرازيلي خطابه لإدانة الحروب في الشرق الأوسط والدعوة إلى السلام.

وقال: «لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط إذا لم يكن هناك سلام في العالم»، وقد تردد صدى هذه الرسالة في كلمات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، واحترام القانون الدولي في أوكرانيا، وإنهاء العنف في السودان، وضاعف التزامه بالتعددية وضد النزعات الانعزالية، مثل تلك التي أظهرها الرئيس المنتخب للولايات المتحدة.

وخلال قمة العشرين انتشر جنود يحملون بنادقهم في القمة، في تناقض صارخ مع السكان المحليين الذين كانوا يأتون ويذهبون بملابس السباحة حول شاطئ كوباكابانا، وكانت المنطقة الأكثر مركزية في ريو مهجورة، حيث أغلقت المتاجر عدة وقلّ عدد السكان، لأن مسؤولي المدينة أعلنوا عطلة لمدة ستة أيام.

في غضون ذلك رغب لولا والدبلوماسية البرازيلية في أن تركز مجموعة العشرين على القضايا التي تعد ضرورية حقاً، وهي القضاء على الجوع والفقر، وتعزيز التحول البيئي بطريقة فعالة، وإصلاح الأمم المتحدة، وفي نظر البرازيليين فإن هذه القضايا تطغى عليها بشكل غير عادل الصراعات التي تغذيها بعض البلدان بدلاً من التفاوض لحلها.

تحديات هائلة

إن المرحلة الجديدة التي تبدأ مع ولاية ترامب الثانية تفرض تحديات هائلة على جانبي الأطلسي ولاتزال محاطة بمجهول كبير، لكن الإشارات التي أرسلها الزعيم الجمهوري بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية تقدّم بعض الأدلة حول نطاق التغيير المقبل، فمن ناحية هناك وعود حملته الانتخابية: الترحيل الجماعي للمهاجرين، وفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات من الصين، والدعم القوي لإسرائيل، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والضغط الأقصى على إيران.

ومن ناحية أخرى، هناك التعيينات الوزارية، حيث يُتوقع من اختياراته لأعضاء حكومته، على سبيل المثال، بعض المواقف المحتملة لإدارته في السياسة الخارجية.

والواقع أن وزير الخارجية المستقبلي، ماركو روبيو (53 عاماً)، يتبنى موقفاً صارماً للغاية تجاه بكين، وهو مؤيد لإسرائيل بشكل ملحوظ، ويعارض المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وقد أثار تعيينه توقعات في أميركا اللاتينية، خصوصاً في القطاعات الأكثر تطرفاً في المعارضة الفنزويلية والكوبية والنيكاراغوية، التي تطالب بقوة أكبر ضد حكومات ميغيل دياز كانيل ونيكولاس مادورو ودانييل أورتيغا.

أجندة صارمة

ماركو روبيو هو ابن مهاجرين كوبيين ويتحدث اللغة الإسبانية بطلاقة، وهو أول لاتيني يتولى المنصب، ومع ذلك فإن إحدى أولوياته ستكون تنفيذ أجندة ترامب الصارمة بشأن الهجرة، إلى جانب وزيرة الأمن الداخلي الجديدة كريستي نويم، وإدارة تأثيرها على البلدان المتضررة، وبشكل عام ستكون سياسة انعزالية.

ومن المرجح أن يكون تأثير عودة ترامب إلى السلطة محسوساً بقوة، لاسيما في دول مثل أوكرانيا والمكسيك، فقد هدّد أوكرانيا بخفض أو حتى قطع التدفق الضخم للمساعدات الأميركية لمواجهة روسيا، كما هدد ترامب بطرد الملايين من المهاجرين، وفرض تعريفات جمركية قاسية إذا لم تمتثل الحكومة المكسيكية لبرنامج ترامب للهجرة، فضلاً عن قصف المصانع التي ينتج فيها تجار المخدرات مادة «الفنتانيل» المخدرة.

كما أعلن ترامب عن نيته عدم الانخراط في حروب كبرى، فهو يريد من الجيش الأميركي أن يركز على الترحيل الجماعي الذي وعد به للمهاجرين، والرجل الذي تم اختياره لقيادة أكبر جيش في العالم بأكبر ميزانية هو مضيف قناة «فوكس نيوز»، وهو من قدامى المحاربين.

ومن بين الأمور المجهولة الكبرى ما سيكون عليه موقف ترامب تجاه الصين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه سوق كبيرة لشركة «تسلا»، المملوكة لإيلون ماسك الذي أصبح لا ينفصل عن الرئيس المنتخب. وعلى عكس بعض أعضاء حكومته، فإن الرئيس المنتخب ليس أيديولوجياً، فتخصصه هو التفاوض وإبرام الصفقات، وهذه هي بالضبط المنطقة التي تضع عليها بعض البلدان آمالها في التنقل خلال ولاية ترامب المقبلة. عن «إل بايس»

عقبة ضخمة

خلال أعمال قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو البرازيلية. أ.ف.ب

حتى لو نجحت قمة ريو دي جانيرو في إحياء النقاش العالمي حول مكافحة الجوع الذي يحاصر 722 مليون إنسان في العالم، لاسيما في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، فإن عودة دونالد ترامب إلى السلطة تمثل عقبة ضخمة، كما أنه في حال توصل نادي الاقتصادات الكبرى إلى اتفاق لتشكيل تحالف ضد الفقر، فإن الاهتمام الضئيل أو المعدوم من قِبَل الجمهوريين بالتعاون الدولي، حتى في صيغ الاستثمار الرامية إلى تخفيف تدفقات الهجرة؛ من شأنه أن يُعقّد جدوى مقترحات البرازيل.

. المرحلة الجديدة مع ولاية ترامب الثانية تفرض تحديات هائلة على جانبي الأطلسي، ولاتزال محاطة بالمجهول.

. مكافحة تغير المناخ ستعاني من تأثير هائل مع انسحاب ثاني أكبر مصدر للغازات الملوثة من المفاوضات.

الأكثر مشاركة