شكوك حول تنفيذ اتفاقية تزويد أستراليا بغواصات نووية هجومية
تواجه طموحات أستراليا لامتلاك غواصات نووية هجومية تحديات متعددة، منها قاعدة الإنتاج الضعيفة، وعدم اليقين من إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية، والتردد في مشاركة التكنولوجيا النووية.
وفي أكتوبر، أصدرت دائرة أبحاث الكونغرس الأميركية تقريراً يفيد بأنه بدلاً من حصول أستراليا على غواصات هجومية نووية، بموجب اتفاقية «أوكوس» - وهي اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة وأميركا - يمكن للغواصات النووية الأميركية تنفيذ مهام مشتركة (أسترالية - أميركية) في منطقة المحيط الهادئ.
وسيكون مثل هذا الترتيب مشابهاً للترتيبات الحالية بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحلفائها الآخرين بشأن الأصول البحرية المهمة، مثل حاملات الطائرات، والمقاتلات السطحية الكبيرة، والغواصات النووية الهجومية، والسفن الحربية البرمائية، إضافة إلى القدرات غير البحرية، مثل الأسلحة النووية والقدرات الفضائية والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
بدائل محتملة
ويناقش تقرير دائرة أبحاث الكونغرس العديد من الترتيبات البديلة للغواصات النووية الهجومية المخطط لها لأستراليا.
وتشمل هذه الخيارات إعادة نشر الغواصات الأميركية والبريطانية في أستراليا، وتشغيل ثلاث إلى خمس غواصات أميركية من أستراليا، أو إعادة استثمار أستراليا للأموال المخصصة للغواصات في أصول أخرى، مثل قاذفات «بي-21»، وغيرها من الطائرات الهجومية بعيدة المدى.
كما يناقش التقرير أشكالاً أخرى من هذه البدائل، وهي أن الاستثمار الأسترالي في بناء الغواصات سيستمر، بينما تقوم الغواصات الأميركية بمهام الغواصات الأسترالية حتى تقوم أستراليا ببناء غواصاتها.
وهناك شكل آخر يذكره التقرير، وهو أن الغواصات الأميركية ستؤدي مهام الغواصات الأسترالية إلى أجل غير مسمى، بينما يمكن لأستراليا أن تستمر في الاستثمار في قدرات عسكرية أخرى، تدعم تقسيم العمل بين الولايات المتحدة وأستراليا.
ويحذر تقرير الكونغرس الأميركي من أنه في حال وصول خطط الغواصات الأسترالية بموجب «أوكوس» إلى دوامة التكاليف، ومن ثم توقفها، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل تمويل أستراليا للقدرات العسكرية الأخرى، ما يؤثر سلباً في قدرات أستراليا الرادعة في مواجهة الصين.
وقد يمثل تقرير الكونغرس تغيراً كبيراً في مسار الاتفاق الثلاثي في ما يتعلق بالغواصات الأسترالية، على النقيض من الضجة السابقة للمشروع، وتعهد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بمساعدة أستراليا في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ.
تحديات كبيرة
قد يكون أحد هذه الأسباب ضعف قاعدة بناء الغواصات الأميركية. ويذكر تقرير مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي لعام 2023 أن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في قاعدة إنتاج الغواصات، ما يؤثر بشكل مباشر على أهداف «أوكوس» لبناء الغواصات.
كما يذكر التقرير مكتب الميزانية، أن إنتاج الغواصات الأميركية يعاني ارتفاع التكاليف، وتأخر البناء، وتجاوز المواعيد النهائية.
ويشير إلى أن هذا يتفاقم بسبب زيادة متوقعة بنسبة 50% في عبء عمل بناء الغواصات على مدى الـ10 سنوات المقبلة، إذ تهدف البحرية الأميركية إلى إنتاج خمسة أنواع من الغواصات في وقت واحد، بما في ذلك غواصات الصواريخ الباليستية النووية من فئتي «فرجينيا» و«كولومبيا».
ويقول التقرير إن الكلفة العالية لتنفيذ خطة بناء السفن للبحرية الأميركية لعام 2024، مدفوعة بنفقات الغواصات المتزايدة، تؤدي إلى تفاقم هذه القضايا.
ويتوقع أن يتجاوز بناء الغواصات مستويات التمويل التاريخية، ما يتطلب إصلاحات صناعية منهجية، ويعرّض الجدول الزمني لاتفاقية «أوكوس» للخطر، المتعلق أساساً بحصول أستراليا على غواصات نووية بحلول ثلاثينات القرن الحالي.
تفاقم الشكوك
أدى عدم اليقين بشأن موقف إدارة ترامب الثانية بشأن «أوكوس» إلى تفاقم الشكوك حول طموحات أستراليا في الاستحواذ على الغواصات النووية الهجومية.
وفي مقال نُشر خلال نوفمبر الماضي في «ذا كونفرسيشن»، ذكر المحلل السياسي ديفيد أندروز، أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أثارت مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الاتفاقية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
وأشار أندروز إلى أن الحكومة الأسترالية أعربت عن قلقها من أن ترامب قد يسعى إلى إعادة التفاوض على الاتفاقية أو إنهائها.
يُذكر أن هذا القلق ينبع من تاريخ ترامب في المطالبة بمساهمات مالية أكبر من الحلفاء، كما هو الحال في كوريا الجنوبية واليابان وحلف شمال الأطلسي، مع احتمال تعرض أستراليا لمطالب مماثلة.
ووفقاً لأندروز، فإن اتفاقية «أوكوس» تسمح لأي طرف بالانسحاب بإشعار مدته 12 شهراً، ما يجعل طول عمرها يعتمد على الإرادة السياسية.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم حزب الخضر الأسترالي، السيناتور ديفيد شوبريدغ، في أغسطس، إن «أوكوس» تضع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فوق المساءلة، مشيراً إلى أن الاتفاقية تحتوي على بنود خروج متعددة، تسمح للولايات المتحدة وبريطانيا بالانسحاب دون تعويض لأستراليا، وتضع المسؤولية على أستراليا في حالة حدوث أي خطأ في تكنولوجيا الغواصات النووية التي يتم تصنيعها بموجب الاتفاق.
وأفادت قناة «إي بي سي نيوز»، في يوليو، بأن رئيس برنامج الغواصات، الأدميرال جوناثان ميد، رفض تأكيد ما إذا كانت أستراليا ستحصل على تعويض إذا فشلت الولايات المتحدة في تسليم غواصات تعمل بالطاقة النووية كجزء من اتفاقية «أوكوس».
مطالبات محتملة
خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأسترالي، شكك شوبريدغ في الدفعة البالغة 4.7 مليارات دولار أسترالي (ثلاثة مليارات دولار أميركي) للولايات المتحدة، وطالب بتوضيح ما إذا كان هناك بند استرداد موجود.
ووفقاً لتقرير «إي بي سي نيوز»، كرر ميد التزام الولايات المتحدة بتوفير غواصتين من فئة «فرجينيا» في أوائل ثلاثينات القرن الحالي، لكنه تجنب معالجة السيناريو الافتراضي لعدم التسليم.
وفي حين يشير أندروز إلى الدعم الحزبي لـ«أوكوس»، في الكونغرس الأميركي، فإن نهج ترامب غير المتوقع في السياسة الخارجية والمطالبات المحتملة بزيادة المساهمات الأسترالية، يثير تساؤلات حول استقرار الاتفاقية.
قد يكون إحجام أستراليا عن التعاون مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشأن الطاقة النووية حجر عثرة أمام طموحاتها في مجال شبكات الطاقة النووية الآمنة، ما يعيق إنشاء البنية التحتية النووية اللازمة لتشغيل شبكات الطاقة النووية الآمنة.
وأفادت «إي بي سي نيوز»، في نوفمبر، بأن أستراليا رفضت الانضمام إلى اتفاقية تقودها المملكة المتحدة والولايات المتحدة لتسريع تطوير الطاقة النووية المدنية، مشيرة إلى عدم قابلية تطبيق التكنولوجيا على البلاد.
وصرّح رئيس الوزراء بالإنابة ريتشارد مارليس، بأن السعي وراء الطاقة النووية سيكون الخيار الأكثر كلفة للكهرباء في أستراليا، حيث تفتقر البلاد إلى صناعة نووية مدنية.
وقال إن المملكة المتحدة والولايات المتحدة توقعتا في البداية انضمام أستراليا إلى الاتفاقية، لكن الحكومة الأسترالية قررت في النهاية عدم الانضمام، وركزت بدلاً من ذلك على الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. عن «آسيا تايمز»
مبررات غامضة
في حين أن طموحات اتفاقية «أوكوس» تنصبّ في مجال الغواصات النووية عالية المستوى، إلا أن مبرراتها قد تكون غامضة، وغير عملية، وغير سليمة عسكرياً، وفقاً لبعض المحللين.
ففي مقال لمعهد «لوي» الأسترالي، نشر في مارس الماضي، استشهد الخبير سام روجيفين، بمنتقدي الاتفاقية الذين يشيرون إلى أن مشروع الغواصات النووية يفتقر إلى مبرر استراتيجي واضح، إذ لم تقدم الحكومة شرحاً مفصلاً لما من المفترض أن تحققه هذه الغواصات.
ويشير روجيفين إلى أن المناقشة كانت في المقام الأول تدور حول مفاهيم غامضة عن «الردع»، دون الانخراط في مناقشة جوهرية حول أفضل السبل لتحقيق ذلك.
ولفت الخبير إلى الشكوك حول صدق دعم حزب العمال الأسترالي لـ«أوكوس»، ما يشير إلى أنه كان مدفوعاً بحسابات سياسية أكثر من قناعة حقيقية. كما أكد روجيفين على العبء المالي للمشروع، الذي قد يؤدي إلى تجاوز التكاليف وتأخر البرنامج، ما قد يرهق ميزانيات الدفاع الأخرى.
. اقتراح أميركي بإمكانية تنفيذ الغواصات النووية الأميركية مهام مشتركة مع أستراليا بدلاً من حصولها على غواصات بموجب اتفاقية «أوكوس».