إرث شعبي يصبح مصدر عيش للعاطلين عن العمل
«مسحراتي» غزة.. يتحول إلى مهنة مؤقتة
«الشهر صايم، والفجر قايم، إصحَ يا نايم، وحّد الرزاق»، مثل هذه العبارة يصدح بها الفلسطيني محمود الهسي، من غزة، منذ 28 عاماً مضت، عندما بدأ يعمل مسحراتياً كواجب وطني، لإيقاظ السكان على السحور، وإدخال الفرحة إلى قلوب أطفالهم، لتصبح بعد ذلك مهنة مؤقتة في شهر رمضان، اذ يجوب الهسي، البالغ من العمر 50 عاماً، والمشهور بين الغزيين بلقب «أبوالليل» شوارع مدينة غزة بعد منتصف الليل وحتى أذان الفجر، بإنشاد أشهر الأغاني الوطنية، وترديد الأهازيج الشعبية المتوارثة. ويصطحب «أبوالليل» معه في كل ليلة رمضانية عدداً من الشباب الذين يعملون في قرع الطبول من خلفه، لتنبيه الأهالي إلى وقت السحور.
نشأة المسحراتي يطلق لقب المسحراتي على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليالي رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هو الضرب على الطبل أو العزف على المزمار لإيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض الابتهالات. ظهر المسحراتي في عصر الدولة العباسية خلال عهد الخليفة المنتصر بالله، حيث يذكر مؤرخون أنه ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر عتبة بن إسحاق عام 238 للهجرة، أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه، وكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور. |
«الإمارات اليوم» قضت ليلة رمضانية مع المسحراتي «أبوالليل»، ورافقته إلى منازل المواطنين والأحياء التي يقصدها، فالمنطقة التي يجول فيها يعود إليها من جديد في الليلة ذاتها، مردداً عبارات أخرى لتذكير السكان بضرورة القيام للسحور، ومن تلك العبارات، «يا نايمين الليل إصحوا معايا وقولوا دستور».
ويقول محمود الهسي لـ«الإمارات اليوم» حول مواظبته على ايقاظ الناس للسحور: «لجأت للعمل منذ أن كنت شاباً في مقتبل العمر، وذلك لأخط الابتسامة على وجوه أبناء الشعب الفلسطيني المضطهدين، وأدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال الذين يخرجون في كل ليلة لمشاهدتنا مسرورين».
وعلى الرغم من تطور المجتمع تكنولوجياً، إلا أن مهنة المسحراتي مازالت حاضرة في فلسطين وبانتشار كبير، حيث يعمل بها الكثير من المواطنين للحفاظ على ما ورثوه عن الآباء والأجداد، وليوفروا من خلاله مصدر دخل مؤقتاً لهم، حيث يبتكرون أشكالاً مختلفة، وينشدون عبارات المديح والأهازيج التراثية المتوارثة، والتي يجذبون من خلالها الناس لسماعهم والاستيقاظ على أصواتهم.
يضيف أبوالليل أن «المسحراتي هو أحد مظاهر الشهر الفضيل بصوته الندي الذي يوقظ المواطنين للسحور وصلاة الفجر، ولكن في غزة يأخذ المسحراتي اتجاهين، الأول تراثي وعادة قديمة، حيث لا يخلو أي شارع في غزة من تجوال المسحراتي. أما الاتجاه الثاني فيتمثل في تحول المسحراتي إلى مهنة مؤقتة، حيث تقوم العائلات في نهاية ليلة كل رمضان بتقديم مبلغ من المال مقابل ما نقوم به، كما يقدم المواطنون لنا الأطعمة أثناء عملنا».
الحصار
الحصار الذي يفرضه الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، تسبب في فقدان الغزيين الآلاف من فرص العمل، فارتفاع معدل البطالة دفع العديد من العاطلين عن العمل وأصحاب الدخل المحدود للعمل بشكل مؤقت في مهنة المسحراتي، ليغنموا في نهاية شهر الصيام مبلغاً يمكنهم من إدخال فرحة العيد الى قلوب أطفالهم.
يقول الشاب أحمد محمود الذي يرتدي زي المسحراتي التراثي: «أنا أعمل في مجال الخياطة، وقد بحثت عن عمل ولم أجد، فلجأت للعمل كمسحراتي منذ أربعة أعوام، كمهنة مؤقتة، وواجب وطني تجاه سكان غزة». ويضيف «على الرغم من عملي على مدار شهر واحد فقط، إلا أنني أحصل على الأموال التي تمكنني من شراء الملابس الجديدة لأبنائي، وتوفير ما يحتاجون إليه، ليتذوقوا فرحة العيد كغيرهم من الأطفال».
ابتكار
الأفراد الذين يعملون في مهنة المسحراتي في غزة يبتكرون أشكالاً عديدة، تجذب الأهالي لسماعهم، والاستيقاظ على أصواتهم، فالمسحراتي أبورامي ياسين ابتكر أسلوباً مختلفاً من خلال تزيين سيارته بزينة خاصة بشهر الصيام، فيما يجوب شوارع غزة وهو ينادي عبر مكبرات الصوت على سكان الحي كل باسمه.
ويقول أبورامي ياسين لـ«الإمارات اليوم»، وهو يقود سيارته المزينة بفوانيس رمضان، إن «الطريقة التي ابتكرتها في ليالي رمضان مختلفة عن أي مسحراتي، فهي غريبة وحديثة، وقد حظيت بإقبال سكان حي الزيتون الذي أجوبه في كل ليلة». ويضيف أن «سكان حي الزيتون اعتادوا على طريقتي في كل ليلة، حتى وهم في وقت اليقظة، حيث يستمعون إلى ما أردده من عبارات المدح والذكر».