لم تُطفئه وسائل التكنولوجيا.. وأزمة الكهرباء زادت الإقبال عليه

«فانوس رمضان».. يُضيء ليل الغزّاويين في شهر الصيام

صورة

لا شيء يشبه فانوس رمضان في ذاكرة كل مسلم، فرغم اختلاف الأماكن والمراحل والسنوات التي عاشها، إلا أن لفانوس رمضان عبقاً مختلفاً، وذكريات لا تمحى، مرتبطة بشهر الخير والحب، فقد تطور من الصاج، إلى العرائس وشخصيات الكارتون، مروراً بتجسيد بعض الشخصيات السياسية والفنية.

حكايات تاريخية

ارتبط ظهور الفانوس في رمضان بالعديد من الحكايات التراثية والتاريخية، وهذا ما يوضحه المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض.

ويقول المبيض لـ«الإمارات اليوم» إن أول فانوس أضيء هو يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة في شهر رمضان عام 358 هجرية، بعد الغروب، فخرج الناس لاستقباله حاملين الفوانيس لينيروا له الطريق»، وأضاف «بذلك ارتبط الفانوس نفسياً بشهر رمضان وبالفرحة لقدوم المعز».

ومن القصص الأخرى لحكاية الفانوس، يضيف المؤرخ الفلسطيني «كان الخليفة الفاطمي يستخدم الفانوس ليلة الرؤية ليستطلع هلال رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق حاملين الفوانيس».

ويذكر أيضاً أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق الفوانيس.

واعتمد الفلسطينيون، بحسب المبيض، على الفوانيس في الزيارات، والاستماع إلى الحكواتي ليلاً، حيث يحملونها لعدم وجود الكهرباء، وكان الأطفال يصنعون فوانيسهم بأيديهم ويتنافسون، فمنهم من يمسكه بـ«تنكة» فارغة، ويعمل بها باباً وثقوباً ويضيئها، والآخر يستخدم زجاجة فارغة ملونة ويجتمعون ويغنون فرحاً برمضان.

ويُعد الفانوس أحد المظاهر الشعبية الأصيلة، وواحداً من الفنون الفلكلورية التي نالت اهتمام الفنانين والباحثين، الذين أصدروا دراسات واسعة متعلقة بحقيقة ظهوره وتطوره، وارتباطِه بشهر الصيام، ومن ثم تحويله إلى قطعة جميلة من الديكور العربي في الكثير من البيوت الحديثة.

ولكن في غزة الأمر يختلف كثيراً عن بقية بلدان العالم، فالمحال التجارية والبسطات المتنقلة تشهد إقبالاً كثيفاً من قبل المواطنين على شراء فوانيس رمضان، ليس لأطفالهم من أجل إدخال الفرحة إلى قلوبهم فقط، ولكن لاستخدامه في إنارة عتمة ليلهم، لقد أصبح وسيلة إنارة جديدة يضيفها رمضان إلى بقية الوسائل الأخرى.

وتتميز فوانيس رمضان، التي يعتمد عليها كوسيلة للإنارة، بأنها رخيصة الثمن، وتعمل على بطاريات صغيرة وغير مكلفة، ولا تحتاج إلى تكاليف ومستلزمات أخرى مثل المولدات الكهربائية باهظة الثمن، والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من الوقود يومياً من أجل تشغيلها، فالفوانيس تعتمد على بطاريات.

بهجة الأطفال

الأطفال الغزيون الذين قُهرت براءتهم، واغتيلت أحلامهم، وبات رمضان عنواناً للذكريات الأليمة بالنسبة لهم، بفعل الحرب الأخيرة التي بدأت والناس صيام قبل عامين، فإن الفوانيس تحلّي أيامهم، وتمحو جزءاً من المشاهد القاسية التي تزدحم بها أذهانهم، كما تنير عتمة ليلهم بألوان مضيئة، وأصوات تردد عبارات «حالو يا حالو»، وأناشيد وطنية ودينية.

ويعبر أطفال القطاع عن فرحتهم الشديدة بحلول رمضان بعد تناول وجبة الإفطار، من خلال النزول إلى الشوارع، وفي أيديهم الفوانيس، التي تضيء جانباً من حياتهم التي أظلمها الاحتلال والانقسام الفلسطيني البغيض، فلا تكاد تخلو أحياء غزة من الفوانيس الرمضانية بأشكالها المختلفة، والمصنوعة من المعدن، والبلاستيك، والقماش، ذات الألوان الزاهية، والتي تعلق أمام البيوت والمحال التجارية، وكذلك الأشجار والمتنزهات، التي يضيئها السكان طوال الليل.

«الإمارات اليوم» تجولت في شوارع غزة عقب الإفطار، راصدة أجواء الفرحة بين أطفال غزة الذين يحتفلون بشهر رمضان، ويعتمدون على الفوانيس لإنارة عتمة ليلهم التي فرضت عليهم قسراً، بفعل أزمة التيار الكهربائي المتفاقمة منذ 10 سنوات مضت.

ويقول رضوان أبولبدة: «إن الفانوس يدخل بهجة رمضان إلى قلوب الأطفال الذين يستشعرون جمال الشهر الفضيل من خلاله».

ويعد الفانوس، بحسب أبولبدة، من الأولويات الأساسية لطفله مروان في شهر رمضان، خصوصاً بعد تناول وجبة الإفطار، وتجمع الأطفال أمام منازلهم، إذ يتباهون بألوان الفوانيس وأصواتها المختلفة.

ويقول أبوراغب السويركي، الذي اصطحب طفله خالد إلى السوق لشراء فانوس رمضان، إن «فانوس رمضان يرافق أطفالي طوال الوقت في رمضان، حيث نضيئه في الليل، ونصطحبه خلال توجهنا إلى المسجد لإنارة الطريق، فيما يلهو به أطفال الحي الذي نقطن به، وينير لهم عتمة ليلهم أثناء لعبهم».

ويشير إلى أن الفانوس بديل بسيط وآمن للكهرباء في وقت انقطاعها، على عكس الشموع التي أودت بحياة عشرات الأطفال، بعد أن حرقت منازلهم، وأذابت أجسادهم البريئة.

إقبال كثيف

بالانتقال إلى أسواق غزة المحلية، تظهر الصورة الحقيقية للإقبال الكثيف على شراء الفوانيس من قبل العائلات، وهذا ما أكده صاحب محل الحتو لبيع ألعاب الأطفال، أشرف الحتو.

ويقول الحتو: «رغم سيطرة التكنولوجيا وبرامجها على عقول الأطفال، إلا أن كثيراً من العائلات تحرص على اصطحاب أطفالها لشراء الفوانيس، والتي أثبتت أنها لا تتأثر بالتغيرات التي تطرأ على منطقتنا، وأن أي ظاهرة جديدة لن تلغيها يوماً ما».

ويضيف أن «ذروة بيع الفوانيس الرمضانية تبدأ منذ الأسبوع الأول من شهر رمضان، وتستمر حتى نهايته».

تويتر