عقلية بيرلسكوني تهـدم البيت اللومباردي

إنتر ميلان عذّب جاره ميلان وهزمه بـ 4 أهداف نظيفة. غيتي

يصح القول إن المدرب البرازيلي ليوناردو رسب في الاختبار الجدي الاول الذي واجهه هذا الموسم ليس لأن ميلان خسر مباراة الديربي ضد غريمه إنتر ميلان حامل اللقب، فالخسارة ليست مقياسا وحيدا ليبنى عليه، بل كانت النتيجة الثقيلة التي انتهت بها المباراة 4-صفر، خصوصاً أن ميلان كان المضيف وتعد المواجهة على ارضه وان كان الفريقان يتشاركان ملعب «جوسيبي مياتزا». لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء، لنسلط الضوء على جملة من المحطات المهمة التي حصلت أخيراً في البيت اللومباردي لكي نتمكن من بناء تصور لما يمكن ان يحصل هذا الموسم.

لم تنفك الصحافة والمحللون والجماهير منذ سنوات تطالب بإجراء تغيير جذري في صفوف الفريق وضخ دماء جديدة قادرة على رفع مستوى التحدي وتحقيق الآمال العريضة التي تبنى على فريق بعراقة ميلان، ليس لأن اللاعبين الحاليين أو الذين اعتزلوا أخيراً فشلوا، بل لأنهم أدوا مهتهم ببساطة، فأغلبهم فاز بكل الألقاب الممكنة تقريباً ولم يعد لديهم شيء ليثبتوه، ناهيك عن تقدمهم في العمر.

صحيح أن عالم الاحتراف يفرض على اللاعب أن يقدم أقصى ما عنده، لكن هناك فرقاً بين اللاعب الذي لم يحقق شيئا بعد، والساعي لإثبات كفاءته ولفت الأنظار والمتعطش لتحقيق الفوز، وبين اللاعب المخضرم كثير الاصابات الذي يلعب فقط ليضيف مجداً جديداً إلى أمجاد سابقة.

فإذا ما أخذنا الهولندي كلارنس سيدورف على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه انتقل إلى ميلان عام 2002 وفاز معه بلقب الدوري المحلي عام ،2004 ودوري أبطال أوروبا عامي 2003 و،2007 وكأس السوبر الايطالية عام ،2004 وكأس السوبر الأوروبية عامي 2003 و،2007 وكأس العالم للأندية عام ،2007 علماً بأنه لعب سابقا لإنتر ميلان وريال مدريد، وفاز مع الاخير بلقب الدوري الاسباني عام ،1997 والكأس السوبر الاسبانية عام ،1997 ودوري ابطال اوروبا عامي 1998 و،2000 وكأس القارات التي كانت تجمع بين بطل اميركا الجنوبية وبطل اوروبا عام ،1998 وقبلها كان مع أياكس أمستردام وفاز معه بلقب الدوري المحلي عامي 1994 و،1995 وكأس هولندا عام 1993 ودوري ابطال اوروبا عام 1995 وبالتالي ليس لدى سيدورف ما يثبته، ولم يعد يملك الحافز ذاته الذي كان يملكه قبل ست سنوات أو سبع.

وإذا ما نسجنا على هذا المنوال نجد أن السواد الأعظم من لاعبي ميلان هم على هذه الشاكلة، والمشكلة أن عقلية رئيس الوزراء الإيطالي ومالك ميلان سيلفيو بيرولسكوني ونائبه أدريانو غالياني كانت «عجيبة» في سوق الانتقالات وهو أقل وصف يمكن أن نطلقه عليها.

عمد هذا الثنائي إلى التعاقد مع لاعبين بدأ نجمهم بالأفول تباعاً خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية، فإذا ما استثنينا البرازيليين ريكاردو كاكا وألكسندر باتو نجد أن ميلان ضم لاعبين من أمثال جوسيبي فافالي وجانلوكا زامبروتا والتشيكي ماريك يانكولوفسكي والحارس الاسترالي زيكو كالاتش والحارس ماركو ستوراري والبرازيلي ايمرسون واستعاد الأوكراني اندري شفتشنكو على سبيل الاعارة، بعد أن فشل فشلا ذريعا مع تشلسي الإنجليزي، وجرّب الأرجنتيني هرنان كريسبو على سبيل الاعارة ايضا بعد أن فشل مع تشلسي، وتعاقد مع ألبرتو جيلاردينو الذي لم يقدم شيئاً مع الروسونيري، وكريستيان بروكي ولوكا أنطونيني وفلافيو روما وأخيراً التعاقد الغريب بثلاثين مليون يورو مع البرازيلي رونالدينو الذي خرج من الباب الخلفي لملعب كامب نو لأنه فقد سحره وإبداعه.

والمفارقة أن الصفقتين اللتين أثبتتا نجاحهما تخلى عنهما النادي، الأولى تمثلت في كاكا الذي اثبت بما لا يدع مجالا للشك انه كان النجم الاوحد والقائد والملهم للفريق منذ اللحظة الاولى لقدومه، أما الثانية فكانت الفرنسي يوهان غوركوف صانع ألعاب بوردو والمنتخب الفرنسي حالياً، الذي لم ينفك يبدع مع ناديه وقاده للفوز بلقب الدوري المحلي الموسم الماضي.

سربت وسائل إعلام تقارير مفادها أن كاكا أجبر على الانتقال إلى ريال مدريد، وأن رغبته الحقيقية كانت تتمثل في البقاء في ميلان النادي الذي أحبه، وبدوره جمهور النادي عشق هذا اللاعب، لكن رغبة برلوسكوني في الحصول على الاموال كانت اقوى من رغبته في الاحتفاظ بلاعب من طينة نادرة وباعه إلى ريال مدريد مطلع هذا الصيف مقابل 67 مليون يورو.

يوم تسلم كارلو انشيلوتي الذي غادر هو الآخر الى تشلسي تدريب الفريق عام 2001 شرع في إعادة بناء شاملة فاستقدم كاكا واليساندرو نيستا وجينارو غاتوزو وكافو وبيرلو وفيليبو اينزاغي وسيدورف ورسم رؤيته التكتيكية حولهم، فكان للفريق ركائز أساسية في كل خط، القائد باولو مالديني الذي ظهر جليا الأثر الذي خلفه اعتزاله في نهاية الموسم الماضي على الفريق ونيستا في الدفاع، وبيرلو وغاتوزو وكاكا في الوسط واينزاغي في الهجوم.

ومع مرور المواسم استنفد اغلب هؤلاء طاقاتهم وبات الرهان عليهم مغامرة، صحيح أنهم تمكنوا من الفوز بدوري أبطال أوروبا عام ،2007 لكن ميلان كان يركز على تلك المسابقة دون غيرها.

وإذا ما تركنا الماضي وانتقلنا الى الحاضر قليلا، ماذا فعل بيرلوسكوني وغالياني لاعادة الفريق الى سكة الانتصارات والى مكانته الحقيقية؟

أولاً تخلى عن كاكا لأحد الفرق المنافسة في البطولة الاوروبية ولسخرية القدر، وضعت قرعة دوري الابطال التي سحبت الخميس الماضي ريال مدريد في مجموعة واحدة مع ميلان وبالتالي قد يتسنى لبيرلوسكوني وغالياني مشاهدة كاكا يسجل مجدداً في السان سيرو ولكن في مرمى ميلان هذه المرة.

ثانياً استبدل المدرب المحنك انشيلوتي الذي يحقق الانتصارات المتتالية مع تشلسي منذ تسلمه مهمته في لندن، بأحد إداريي الفريق المسؤولين عن الانتقالات في السوق البرازيلية، أي رموا بليوناردو في قلب النار وطلبوا منه ان يرث هذه التركة الثقيلة عن سلفه، وهو لا يملك أي خبرة في مجال التدريب، وللانصاف فهو خضع لدورة تفرضها قوانين الاتحاد الاوروبي ليحصل على شهادة لمزاولة مهنته الجديدة.

ولمساعدته في هذه المهمة المستحيلة، تعاقدوا مع المدافع البرازيلي ثياغو سيلفا، والمدافع الأميركي أوغوتشي اونييو وكلاهما مغموران والمهاجم الهولندي كلاس يان هونتلار، ولولا كون الاخير غير مرغوب فيه في ريال مدريد لما تعاقدوا معه حتما.

وبعد فوز بشق الانفس على سيينا في المرحلة الافتتاحية للموسم الكروي الحالي 2-،1 جاءت المباراة الثانية ضد الغريم التقليدي انتر ميلان.

صحيح أن انتر ميلان فقد أيضا أبرز لاعبيه وهو السويدي زلاتان ابراهيموفيتش، لكنه عوضه بخمسة من ابرز اللاعبين الموجودين على الساحة الاوروبية حالياً هم المهاجم الكاميروني صامويل ايتو والمهاجم الارجنتيني دييغو ميليتو ولاعب الوسط البرازيلي ثياغو موتا وصانع الالعاب الهولندي ويسلي سنايدر والمدافع البرازيلي لوسيو، أي أن المدرب البرتغالي جوزيه مورينو جدد نصف فريقه بالكامل ليعوض رحيل ابراهيموفيتش وبلاعبين لا يقلون شأناً عنه.

وبالأمس بدا للقاصي والداني الفارق الكبير بين الجارين، لقد كانت المباراة اشبه بسباق بين الارنب والسلحفاة!

تويتر