سقف رواتب لاعبي أوروبا ثورة بـلاتيـني الصامتة
يناير 2006 كان موعد تولّي اللاعب الدولي سابقا، الفرنسي ميشيل بلاتيني دفّة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ليقف أمام تحدي وعوده وخططه التي كان قد رسمها سابقا، من أجل تحسين أوضاع كرة القدم في القارة العجوز، ثم المضيّ بها نحو بيئة أكثر استقراراً، خصوصا بعد دخول الاستثمارات والأرقام الفلكية عالم الكرة الأوروبية على الوجه الخصوص.
واتجهت ظاهرة الارقام الفلكية الى مرحلة الجنون، فريال مدريد اشترى البرتغالي كريستيانو رونالدو من مانشستر يونايتد الصيف الماضي بـ80 مليون استرليني، وهذا يساوي طبقاً لاحصاءات سابقة ثلاث رحلات للفضاء ووجبة بيغ ماك من ماكدونالدز لجميع سكّان كندا! وكذلك، فإن المبلغ الذي عرضه مانشستر سيتي على إي سي ميلان في يناير الماضي من أجل الظفر بلاعبه البرازيلي ريكاردو كاكا بنحو 100 مليون استرليني، أي ما يُساوي نحو 560 مليون درهم إماراتي يُعد ضرباً من الجنون التام، فهذا المبلغ يتجاوز ميزانيات دول.
سقف للرواتب
وبعيداً عن صفقات الشراء، فإن إحدى الخطط التي يرغب بلاتيني بتطبيقها في كرة القدم الأوروبية هي وضع سقف لرواتب اللاعبين، فالعلاقة بين صفقة الشراء والرواتب هي علاقة طردية، الراتب يزداد كلما زاد مبلغ الصفقة.. والوضع الراهن يشير إلى أن رواتب لاعبي أندية أوروبا الكبيرة وعلى وجه الخصوص ريال مدريد وبرشلونة وصلت إلى مرحلة البذخ التام، حيث إن لاعبي كرة القدم أصبحت رواتبهم أعلى من رواتب الوزراء والأطباء والمديرين التنفيذيين بأضعاف مضاعفة، وهذا الشيء أصبح تأثيره سلبيا في التنافسية بين الأندية في الدوريات المحلية وأحدث فجوة كبيرة بينها، حيث إن أفضل اللاعبين ينتقل إلى أغنى الأندية وبقية الأندية تجلس كـ«الأطرش في الزفة» لا حول لها ولا قوّة في التنافس سواء في ضمّ اللاعب أو حتى في المنافسة بسبب جودة لاعبيها الضعيفة وجودة لاعبي الأندية الغنية العالية المستوى.
حلم يعود بالفائدة حلم سقف الرواتب سيعود بالفائدة على الأندية الأوروبية سواء من خلال تخفيض المصاريف أو حتى رفع مستوى التنافس بين الأندية، وبالأخص الأندية المتوسطة والصغيرة التي لا تستطيع أن تُجابه الأندية الغنية في ضمّ اللاعبين وعرض رواتب مغرية عليهم حتى لو كانوا لاعبيهم، فإنهم لا يستطيعون أن يبقوا لاعبيهم المميزين معهم وأندية غنية تلاحقهم وتعرض عليهم أرقاما غير قابلة للتصديق، ولكن الأمر يخضع لقوانين اتحادات وأمور سياسية معقدة، وفي الوقت نفسه، فإن هذا سـيعني وضع حدّ معين للرواتب يتوقف على نسبة العوائد أي نسبة نجاح النادي، وبالتالي اللاعبون أصحاب الأجور الخرافية سـيكون عليهم أن يتقبلوا أجوراً أقلّ بكثير في حال لم تكن عوائد أنديتهم بمستوى الطموحات. وفي نهاية المطاف، فإن هذا الحلم حتى الآن يبدو على الورق، وسـيتوجّب على بلاتيني الذي احرز لقب بطولة أوروبا ضمن منتخب فرنسا عام ،1982 كسر الكثير من الحواجز وبذل مجهود كبير لمحاولة تحقيقه وهو ما لا يبدو واقعياً حتى الآن نظراً للمعطيات القانونية التي لا تسانده. |
ديون بمئات الملايين
في آخر قائمة لأكبر رواتب لاعبي كرة القدم حول العالم، قامت وكالة تسويق برتغالية تُدعى فوتبول فايننس بوضع قائمة متضمنة أكبر 50 راتباً سنوياً في العالم تصدرها البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يتقاضى 11.3 مليون استرليني سنويا أي ما يعادل 217 ألف استرليني أسبوعيا. وكان النادي صاحب الرواتب الأعلى هو برشلونة الإسباني حيث إنه يصرف 52.4 مليون استرليني سنويا لثمانية من لاعبيه فقط، وأعلاهم أجراً هو زلاتان إبراهيموفيتش الذي يتقاضى 10.4 مليون استرليني في السنة الواحدة.
بلاتيني من خلال رغبته في تطبيق سقف للرواتب يريد أن يزيد التنافس بين الأندية، وأيضاً فإن ذلك سـيخفف العبء من كاهل بعض الأندية التي تعاني ديوناً ثقيلة للغاية، فعلى سبيل المثال ناديا مانشستر يونايتد وليفربول ديونهما تتجاوز المليار استرليني معاً، هذا بغض النظر عن أن أندية عملاقة كبرشلونة وريال مدريد وميلان وبايرن ميونيخ كلها مديونة بمئات الملايين.
كبح الإنفاق
ولكن مسألة تطبيق سقف للرواتب تبدو غير سهلة، ففي تصريح لمدير الاتصالات في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ومستشار بلاتيني وليام جيلارد في يوليو 2008 بالنيابة عن رئيسه، قال إن وضع سقف لرواتب انفرادية تبدو صعبة للغاية، وذلك لتعارضها مع قوانين الاتحاد الأوروبي ولهذا فإن عليهم التحدث إلى المفوضية الأوروبية التي تعتبر الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي من أجل المطالبة بوضع نسبة مخصصّة من عوائد الأندية للرواتب، بينما أشار كارل هاينز رومينجه المدير التنفيذي لبايرن ميونيخ ورئيس رابطة الأندية الأوروبية إلى نسبة تتراوح بين 50 و55٪ من العوائد و التي سـتصرف على الرواتب.
وكان أحد الاقتراحات من أجل كبح جماح الإنفاق الهائل على الرواتب هو تقليص عدد اللاعبين في قائمة كل ناد إلى 25 لاعباً محترفاً فقط، كما هي الحال في مسابقتي دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي.
نظام في أميركا منذ 1984
وما يجب أن يذكر هو أن نظام سقف الرواتب موجود منذ عام 1984 في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت مع رياضة كرة السلة ولحقتها كرة القدم الأمريكية، غير أنها موجودة في انجلترا في دوري الرجبي. وتخضع حسابات سقف الرواتب في دوري كرة السلة الأمريكي على سبيل المثال لعملية معقّدة، وهي خاضعة للتعديل من سنة لأخرى وتحسب على أساس مردود الدوري في المواسم السابقة. سقف الرواتب للأندية في دوري المحترفين الأميركي لكرة السلة يعتمد على نسبة من عوائد الدوري، فعلى سبيل المثال، فإن سقف الرواتب لموسم 2008-2009 كان 58.68 مليون دولار في موسم واحد، مقابل 55.63 في الموسم الذي سبقه، وكانت نسبة الرسوم أو الضرائب للموسم 2008-2009 قد تحددت عند 71.15 مليون دولار، مقارنة مع 67.865 مليون دولار للموسم الماضي، وأي ناد يتخطى الرقم الأول في إنفاق الرواتب يتعين عليه دفع دولار واحد مقابل كل دولار إضافي.
ويبلغ الحد الأدنى للرواتب المفروض على كل ناد أن يصرفه على لاعبيه نحو 44 مليون دولار، أي ما يعادل نسبة 75٪ من مجمل السقف، ولكن ما يحاول أن يفعله بلاتيني هو أبسط من هذه العملية من خلال وضع نسبة محدّدة من عوائد الأندية وصرفها على الرواتب، هذا مبدئياً، وقد تخضع لتغييرات مستقبلية في حال تطبيقها.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن الحلم يبدو صعبا للغاية وقد لا يرى النور، وذلك لأنه سـيتوجّب القيام بتعديلات في لائحة القوانين الأوروبية والمشكلة في التعديلات تكمن في اختلاف إجراءات التصاريح في الأندية طبقا للاتحادات في الدول الأوروبية، وقد طالب كارل هاينز رومينجه رئيس رابطة الأندية الأوروبية بـتوحيد الإجراءات الأوروبية، ولكنه في نفس الوقت اعترف بصعوبة ربط رواتب اللاعبين المحترفين بإيرادات الأندية وخصوصا في انجلترا ودول شرق أوروبا، حيث إنه وصفها بالموضوع السياسي المعقّد. وفي فبراير الماضي تمّ عقد اجتماع بين 95 نادياً من أندية أوروبا في جنوى الإيطالية للتحدث بخصوص الكثير من الخطط ومن ضمنها الحصول على تراخيص للعب في بطولتي دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي والتي حصلت على دعم من أغلبية الأندية، ولكن خطة سقف الرواتب لم تحصل على الدعم الكافي، ما دعى برومينجه بالتصريح قائلا «في هذه اللحظة نفضل أن نمضي قدما بنظام التصاريح وبعد ذلك ربما في المستقبل سـننظر مرة أُخرى إلى مراقبة التكاليف المدفوعة».