العرب في دوريات القارة العجوز.. صناعة أوروبية
يُوجد في الدوريات الأوروبية بمختلف مستوياتها الكبيرة والصغيرة العديد من اللاعبين العرب سواء من ولدوا وكبروا وترعرعوا في بلدان غربية، أو من انتقلوا للعب مع أنديتها بعد أن تكونوا محلياً في بلدانهم، ولا يكاد يوجد دوري ما في أي من هذه البلاد إلا وفيه عدد لا يستهان به من هؤلاء اللاعبين، ففي إنجلترا ومع فريق بمستوى أرسنال نجد الفرنسي من أصل جزائري سمير نصري، وفي بوردو نجد المغربي مروان الشماخ وفي بي اس في ايندهوفن المغربي إبراهيم أفيلاي، وفي دروتموند الألماني محمد زيدان المصري وغيرهم الكثير من نجوم الكرة.
شعبان تجاهله المصريون ففضل السويد
أما الحارس السويدي الذي لعب لموسمين مع أرسنال رامي شعبان، فهو من أصول مصرية وزملكاوي أصيل، وقد ولد وترعرع في السويد من أب مصري وأم فنلندية. وحينما أتى به والده إلى مصر لأول مرة كان رامي يبلغ من العمر عامين وكان يعمل والده بشركة طيران تابعة للسلاح الجوي السويدي ووالدته الفنلندية كانت مدرسة وعضوة بالمجلس المحلي السويدي. ورغم اعتزاز رامي بالكرة المصرية إلا أن تجاهل الجهاز الفني لمنتخب مصر له وعدم استدعائه للمنتخب كان السبب وراء انضمامه للمنتخب السويدي الذي شارك معه في المونديال الألماني الأخير 2006 وتصفيات أوروبا لنهائيات أمم أوروبا 2008 النمسا وسويسرا، وقد تم اختيار رامي أفضل حارس سويدي في عامي 2006 و2007 ،مع التنويه بأنه كان بإمكانه أن ينضم للمنتخب الفنلندي أيضاً، لكن وجود العديد من الحراس المميزين، حينها كياسكلاينين وآنتي نييمي كان وراء تفضيله السويد. |
ولكل واحد من هؤلاء اللاعبين قصة نجاح لم تثمر إلا بين أحضان الأندية الأوروبية التي وفرت لأغلبهم الرعاية منذ الصغر، وأخذت بيدهم إلى أن باتوا لاعبين كبارا يشار إليهم بالبنان، ولم يكن أغلبهم قادراً على تحقيق أي نجاح يذكر لو أنه ظل لاعباً في الدوريات العربية المحلية، التي أقصى ما تفرزه لاعبين يقارعون نظراءهم قارياً لا عالمياً.
نصري الفرنسي
تعتبر فرنسا من أكثر البلدان التي تضم عدداً كبيراً من المهاجرين العرب خصوصاً من شمال إفريقيا، ففيها بزغت موهبة سمير نصري الجزائري الذي تعود قصته إلى قسنطينة التي هاجر منها والده إلى مرسيليا الفرنسية قبل أن يرى النور، ففي لؤلؤة الجنوب الفرنسي بزغت موهبة نصري في شوارع مرسيليا (مدينة الجزائريين والمغاربة في فرنسا)، وسرعان ما انتبه والده إلى هذا النجم الصغير فأودعه نادي بينيس ميرابيو في عمر السادسة، وأمضى سنتين في النادي حتى وقّع مع الفريق الأكثر جماهيرية في فرنسا أولمبيك مارسيليا. وصرح اللاعب يوما بأن الحياة الصعبة التي كان يعيشها ساعدته على الرقي إلى مستوى اللاعب المحترف.
أفيلاي الهولندي
أما إبراهيم أفيلاي، المغربي الأصل ونجم أيندهوفن الهولندي فهو أحد أبناء مدينة الحسيمة الواقعة شمال المغرب وعلى البحر الأبيض المتوسط. ولم يكن لينجح لولا أن وجد كل الدعم والفرص المتاحة أمامه في الدوري الهولندي الذي قدمه للعالم في مونديال الشباب سنة ،2005 وبعدها حاول اتحاد الكرة المغربي مراراً استدعاءه لحمل القميص الوطني لأسود الأطلس لكن اللاعب ظل يرفض وفضل في 2007 الألوان الهولندية، حيث يعد اليوم من بين أهم اللاعبين في البرتقالي، لكن اللاعب في الوقت نفسه يعتز بمغربيته وإسلامه، بل إنه يزور مدينة الحسيمة باستمرار حيث أبدى رغبة في مساعدة أبناء منطقته، والقيام بمشروعات استثمارية.
بنزيمة الملكي
وبالعودة إلى فرنسا نجد قصة مثيرة أخرى لنجم كبير هو الجزائري الأصل كريم بنزيمة مهاجم ريال مدريد الإسباني، وأحد ألمع اللاعبين الشباب في العالم، وخالد بالحروز الملقب في هولندا بـ«آكل لحوم البشر»، وهو من أصول مغربية، ويلعب حالياً لنادي شتوتغارت الألماني. وأيضاً هناك الألماني الدولي سامي خضيرة الذي يبدو من اسمه بأنه من أصول عربية، حيث إن والده تونسي وأمه ألمانية. وشقيقه الأصغر سامي يدعى راني، ويلعب لفئة اليافعين بشتوتغارت، وهو أحد أعضاء منتخب ألمانيا تحت 15 عاماً. وحاتم بن عرفة كذلك هو اسم عربي آخر سطع في سماء الكرة الأوروبية، حيث سبق له أن حقق نجاحات كبيرة مع ليون ومرسيليا، وهو من أب تونسي وأم فرنسية، ويمتاز بالسرعة والمهارات الفردية، وقد وصف في فترة سابقة من قبل بعض النقاد بزيدان الجديد، ورفض حاتم اللعب للمنتخب التونسي وفضل المنتخب الفرنسي.
إذاً فهي أسباب كثيرة قادت هؤلاء النجوم إلى اختيار منتخباتهم الأوروبية للمشاركة معها، منها تجاهل الجهاز الفني لهم أو التأخر في استدعائهم ما أشعرهم بالإهمال، أو حتى شعورهم بأن مستوى منتخباتهم الأصلية لا ترضي طموحاتهم، ولن تسهم في تطورهم كلاعبين أو تطوير سمعتهم في المحافل العالمية، لكن السؤال الأكبر هو هل لو ترعرع هؤلاء اللاعبون في بلدانهم الأصلية هل كانوا سيحققون ما وصلوا إليه مع هذه الأندية الكبيرة في أوروبا؟!
غياب الأكاديميات
وقد يكون على رأس الأسباب غياب مدارس كروية بمستوى أكاديمية كليرفونتين الفرنسية العريقة التي توفر الدراسة وتنمي الموهبة الكروية لدى اللاعبين من سن صغيرة جداً، فينمو اللاعب بدنياً ومهارياً وذهنياً، لهذا أنتجت هذه المدرسة لاعبين كبارا صالوا وجالوا في أقوى الدوريات الأوروبية، ومن أبرزهم تييري هنري نجم أرسنال السابق وبرشلونة حالياً، ومن أبرز من تخرجوا من هذه الأكاديمية من العرب حاتم بن عرفة ذو الأصول التونسية. وتعتبر كليرفونتين، واحدة ضمن تسع مدارس كروية كبيرة في فرنسا.
وفي إسبانيا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا مراكز وأكاديميات مختلفة ذات مستوى وتاريخ عريق، لكنها مع الأسف تفتقر إليها معظم البلدان العربية، وإن وجدت فهي قاصرة عن مجاراة نظيراتها في القارة العجوز.
واللاعبون الذين اختاروا منتخبات بلدانهم ودافعـــوا عــن ألوانهــا في الشباب والكبار، تشربوا الكرة وصقلت مهاراتهـــم في أنديـة أوروبية، فمروان الشماخ مهاجــم أسود الأطلس هو من خريجي نادي نورماندي الفرنسي، وبعده تدرج مع فرق بوردو إلى أن بلغ الكبار، وكذلك الأمر مع نذير بالحاج الذي بدأ مسيرته مع لانس الفرنسي.
ورغم أنه سؤال في غير محله إلا أننا نمنح أنفسنا الحق في التساؤل عن ملامح التشكيلة المتوقعة لمنتخب عربي يجمع كل هؤلاء النجوم.