خبراء: بث المونديال حق لـ «فيفا».. لكن ما ذنب الفــقراء
أيّد خبراء اقتصاديون وقانونيون فكرة بث نهائيات كأس العالم المقررة في البرازيل اعتباراً من 12 الجاري حتى 13 يوليو المقبل، على اعتبار أنها حق أصيل للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، يتصرف فيه كما يشاء بما يخدم أهدافه وخططه المالية، ولا يوجد أي مانع قانوني يحول دون بيع حقوقه إلى قناة واحدة لتتولى بث مبارياته حصرياً، مشيرين إلى أن ذلك لا يعد احتكاراً بل يندرج تحت مظلة التجارة والاستثمار في اللعبة لتحقيق الأرباح والاستفادة منها في مشروعاته، على حد قولهم، لكن آخرين تساءلوا عن ذنب الفقراء من الناس الذين لا يتمكنون من مشاهدة اهم حدث رياضي مرتبط بلعبة شعبية، في الوقت الذي لا يجد فيه المستهلكون القادرون على شراء البث، فرصة للاختيار وعليهم الخضوع لعروض وقوانين الشركة الناقلة للحدث كونها تحتكر البث حصرياً.
ويعتقد الخبراء في حديثهم لـ«الإمارات اليوم»: أن «ملكية حقوق المونديال لا تندرج ضمن كلمة الاحتكار، لأنها لا تدخل ضمن المواد الأساسية الاستهلاكية في الحياة، رغم نيلها الاهتمام البالغ خلال فترة انعقاد كأس العالم»، مشيرين الى أن «كرة القدم باتت سلعة أو مُنتجاً اقتصادياً يُطرح للبيع لمن يرغب في شرائه، وبالتالي انتفت صفة الاحتكار بمعناه السلبي، وأصبح الأمر يندرج تحت قائمة التجارة بالدرجة الأولى التي تخضع للعرض والطلب».
حق أصيل من الناحية الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور جمال الفخري، إن حقوق توزيع بث مباريات كأس العالم على القنوات الفضائية، هي حقوق أصيلة للاتحاد الدولي لكرة القدم، ومن حقه أن يستثمرها وفق الطريقة التي يراها مناسبة وتدر عليه أموالاً يستفيد منها في مشروعاته التطويرية.وأضاف أن «ملكية الحقوق لا تندرج ضمن الاحتكار بمشموله المعروف اقتصادياً وقانونياً، لأنه يعد بمثابة مُنتج اقتصادي يُطرح للبيع لمن يرغب في اقتنائه، وبالتالي انتفت صفة الاحتكار وأصبح الأمر يندرج تحت قائمة الاستثمار بالدرجة الأولى». وتابع «الاتحاد الدولي له الحق في توزيع حقوق النقل وفق المناطق الجغرافية، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن توزيع حقوق البث على منطقة الشرق الأوسط، يوازي القيمة الشرائية نفسها لدولة مثل ألمانيا، فاختلاف القيمة ترتبط بالكتلة السكنية والنسب التي ستشاهد المباريات». وأوضح أن «هذه المسألة بلا شك تخضع لعملية دراسة جدوى معمقة لعدد السكان، وعلى سبيل المثال، لا يمكن عرض حقوق النقل لدولة مثل مصر عدد سكانها 90 مليون نسمة ويقارن البيع فيها بدولة يسكنها مليون نسمة فقط، فمن الطبيعي أن يحرك السلعة عملية العرض والطلب، وهي أمور متعارف عليها وفق النظام العام للأمم المتحدة». |
وكانت قناة «بي إن سبورت» القطرية وحدها التي اشترت من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، الحقوق الخاصة ببث مونديال كأس العالم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبحسب إحصائية خاصة نشرها الاتحاد الدولي على موقعه الرسمي على الإنترنت، فإن الأغلبية من الدول الأخرى ستتابع المونديال عبر قنوات عدة على مستوى البلد الواحد، وعلى سبيل المثال، فإن أربع قنوات ستنقل نهائيات كأس العالم في دولة إفريقية مثل أنغولا، فيما تتابعها السودان على قناة واحدة فقط وكذلك الحال لكل دولة عربية.
واشتكى جمهور امتلاك قناة واحدة حق بث المباريات، ما أدى إلى التحكم في عملية البيع وعدم وجود خيار آخر امام المشاهدين لترتفع كلفة مشاهدة المونديال، ويتسبب ذلك في موجة غضب عارمة في كثير من جماهير الدول العربية العاشقة لمتابعة حدث لا يتكرر إلا مرة كل أربع سنوات.
لا موانع قانونية
قال المحامي محمد الحمادي، إنه لا يوجد أية موانع قانونية تحول دون انفراد إحدى القنوات ببث حصري للأنشطة والأحداث الرياضية، لعدم اندراج تلك المسألة تحت مسميات الاحتكار التجاري، مضيفاً أن «القانون الدولي أو المحلي لم يتضمن أي بنود لمعاقبة من ينفرد بحصر إذاعة مباريات كرة القدم أو أنشطة رياضية، لعدم اندراج ذلك ضمن مخالفات القانون التي تستوجب المُساءلة».
وأوضح أن «البطولات الدولية، تُعد حقاً أصيلاً للاتحادات الرياضية العالمية التي تنتمي إليها، وكأس العالم حق أصيل للاتحاد الدولي لكرة القدم، وبالتالي يتصرف فيه كيفما يشاء وفق معايير اقتصادية يرى أنها ستخدم أهدافه وخططه المالية، لذلك من حق فيفا وفق صلاحيات القانون أن يتصرف في حقوق المونديال بالطريقة التي يرى أنها ستعود عليه بالفائدة المالية، سواء عن طريق البيع للقنوات الفضائية التي تحصل على حقوق الإذاعة الحصرية أو عن طريق التسويق وكلتا الحالتين يقرهما القانون».
وأوضح أنه «لا شك في أن العائدات المالية التي بات يحصل عليها (فيفا) من حقوق كأس العالم دفعته إلى التفكير في خطط مبتكرة لجني الأموال التي ستفيد مصلحته، وهذا حق مشروع له ولا يمكن لأحد أن يلومه على ذلك».
تشريعات وقانون
بدوره، قال المحامي والمحكم الدولي عبدالله يوسف آل ناصر، إن «المشرّع الإماراتي لم يصغ صفة أو مفهوماً لاحتكار البث الفضائي للقنوات الرياضة التي تمارس حق البث المنفرد للبطولات الدولية، ومن بينها كأس العالم».
وأضاف «رغم أن الرياضة سلعة يُنظر إليها أنها حق للفقراء ويجب مشاهدتها، إلا أنها أصبحت سلعة شبه أساسية للكثير من أفراد المجتمع، لكنها ليست ضرورية وفق منظور الاحتياجات الأساسية للحياة دون التمييز بين دخل الأفراد، ولم يتجه المشرع الإماراتي لصبغ صفة أو مفهوم الاحتكار للبث الفضائي للقنوات الرياضة التي تمارس حق البث المنفرد، من خلال شراء هذا الحق من قبل الاتحادات المعنية التي تملك لوائح وقعت عليها الدول الأعضاء فيها، ومنها كرة القدم ولم يرد بالقانون المدني الاتحادي ما يعتبر حق الشراء للبث من قبل أي قناة على أنه احتكار وفق المفهوم المدني أو الفقهي، وكذلك لم يرد أي نص في ذلك بالتشريع العقابي ووفقاً للقانون الجنائي الاتحادي، ومن ثم لا جريمة ثابتة بهذا العمل».
وأوضح أن «المشرع الإماراتي كمثله من كامل التشريعات الدولية قرر حماية الملكية الفكرية وفق قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 والمعدل بالقانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2005 والقانون 52 لسنة 2006 والقانون رقم 7 لسنة 2002 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة تدل مجتمعة على أن المعنيين بالحقوق المنصوص عليها في القانون الاتحادي رقم 40 لسنة 1992 في شأن حماية المصنفات الفكرية وحقوق المؤلف، والقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2002 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، هم مؤلفو المصنفات وكذلك اصحاب الحقوق المجاورة، ومنهم فنانو الأداء ومنتجو التسجيلات الصوتية».
وأكمل «بالتأكيد هذه النصوص القانونية تسري أيضاً على البث التلفزيوني وفي القنوات الفضائية التي قامت بشراء حق البث المباشر ليصبح أي تعدٍ في حالة ثبوته على مالك حق البث هو جريمة يعاقب عليها القانون، ما يصعب بل يستحيل تطبيقه بشكل كامل وفق حقيقة التكنولوجيا المتقدمة حالياً»
وقال آل ناصر إن «تلك التكنولوجيا باتت تتسارع بشكل كبير، وهناك أجهزة منتشرة وقنوات عبر شبكات الإنترنت تقوم بكسر هذا الاحتكار، وتفك الشيفرات بما يترتب عليه خسائر لكامل الأطراف، الأمر الذي يستوجب طرح حلول أكثر ذكاء من قبل الشركات المتنافسة بشراء حق البث أو احتكار هذه الأنواع من السلع التي لها قاعدة جماهيرية عريضة خصوصاً من الفقراء». وأضاف «بخصوص ما نراه في الحالة الحديثة من صور المنافسة على حقوق شراء منتج معين انتشر بين العامة والخاصة أو احتكار إحدى القنوات حق البث الفضائي لمسرحية أو حفلة غنائية وتصل أخيراً حق البث الموحد لبطولات عالمية مثل كأس العالم، والأولمبياد وخلافه فهي لا جدال صورة من صور الاحتكار المقنن».
وأكمل «هذه الحالة بدأت في الظهور في مجتمع تسارعت فيه قوة المنافسة في التسويق وتحولت المنافسة الرياضية إلى مجال لكسب الملايين من العاملين في هذه المجالات، وأصبحت الرياضة بكل أنواعها مكلفة، وأصبح الاحتراف للعاملين فيها والممارسين لها والإداريين والأطباء وأصحاب الخبرات لحدود مبالغ فيها، إذ وصلت أجورهم إلى حدود مبالغ فيها وأرقام خرافية».
وختم «بشأن حماية المستهلك فإن المشرع الإماراتي كان من السباقين في التشريع لقانون حماية المستهلك رقم (24) لسنة 2009 بشأن حماية المستهلك، بل قام بعمل القرارات التفعيلية له وتطبيقه بصورة حقيقية من قبل كامل الجهات الحكومية والرقابية على كامل المستويات في الدولة، وتلبية نداء أي استغاثة قبل أي منتج لم يتطابق وفقاً للنظم العالمية والمقاييس المعتمدة دولياً ومحلياً».
الحسني: نظام البث السائد يتعارض مع رفاهية المشاهد
|
قال الخبير الاقتصادي عرفان الحُسني، إن هناك آثاراً سلبية في الاقتصاد تترتب على انفراد إحدى القنوات الفضائية بالحصول على حقوق البث لأحد الأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس العالم، وأضاف: «لا أود الخوض كثيراً في مسألة قانونية تلك المسألة من عدمه لكنني أتكلم على تلك الظاهرة من منظور اقتصادي، فقيام إحدى القنوات بالبث عبرها فقط بعيداً عن المسميات أو الأحداث يعد احتكاراً، ويترتب عليه الكثير من الآثار السلبية في اقتصاد الأفراد».
وأوضح أن «حرية الاقتصاد تعزز مبدأ (سيادة وحرية واختيار المُستهلك) فيما يراه من سلعة معينة، لكن وضع فرض خيار إجباري عليه يتعارض تماماً مع المبادئ التي تأسست عليها أدبيات الاقتصاد التي أنشئت في عام 1976».
وأضاف أن «النظام السائد حالياً لنظام بث المباريات يتعارض اقتصادياً مع رفاهية المشاهد وحقه في مشاهدة مباريات كرة القدم، على الرغم من أن العولمة السائدة حالياً في المجتمع الدولي من أهم مضامينها هو التنافس الذي يأتي على النقيض من الاحتكار».
وأوضح الحُسني «لا أختلف على أن هناك حقوق الملكية والفكرية التي يجب الحفاظ عليها وفق المواثيق الدولية، لكن الرياضة والفن يعدان من اللغات السامية التي تترابط بها شعوب العالم مع بعضها بعضا، ولا يجب وفق المعاني السامية للإنسانية ألا نضع القيود في وجه الرياضة أو الانسانية لكي تصل السلعة إلى الانسان البسيط العادي، الذي لا يستطيع أن يدفع المقابل المالي نظير أن يكون جزءا من تلك العولمة، وعلى سبيل المثال، هل يستطيع العالم في ظل العولمة السائدة أن يحجب وجبة الكنتاكي على البعض ويقدمها إلى البعض الآخر، فالحالة متشابهة تماماً مع كرة القدم فليس من الجائز أو العقل أن تقدم لفئة وتحجب على الآخرين طالما أننا نتحدث عن عولمة تفرض نفسها على العالم».
وأكمل «إذا لزم الأمر قانونياً أن تُوضع ضوابط لعملية بث الحقوق حصرياً على إحدى القنوات، فيجب أن يكون سعر الكلفة مقبولاً لدى الجميع، ولا يفيد فئة الأغنياء على حساب الفقراء، وإلا فإننا ضربنا مضمون العولمة في مقتل».