«المتخصص النفسي» كلمة السر في مونديال روسيا
برزت أدوار المتخصصين في علم النفس الرياضي ومجالاته التطبيقية في مونديال روسيا 2018، الذي أسدل الستار على منافساته، الأحد الماضي، بفوز فرنسا باللقب، حيث استفاد العديد من المنتخبات التي شاركت في النسخة الأخيرة من البطولة من وجود «المتخصصين النفسيين» على مقاعد البدلاء أو داخل الغرف المغلقة، بصورة انعكست بشكل إيجابي على نتائجهم في المونديال.
ولعل أكثر المستفيدين من «الأخصائيين النفسيين» هو المنتخب الإنجليزي، الذي استطاع أن يعود مجدداً إلى الواجهة، وبلغ الدور نصف النهائي بعد أن غاب عن تلك الأدوار المتقدمة منذ عام 1990، حينما حل رابعاً في النسخة التي استضافتها إيطاليا.
وأظهر نجوم المنتخب الإنجليزي تعاملاً إيجابياً مع الضغوط التي أحيطت بهم في مونديال روسيا بثبات لافت، على غير عادتهم في مثل هذه المشاركات السابقة، التي جعلتهم يودعون المونديال في ست نسخ سابقة من الأدوار الأولى، نتيجة الضعف الذهني وغياب الإعداد النفسي الصحيح.
وأدرك المدير الفني للأسود الثلاثة، غاريث ساوثغيت، أن للعامل النفسي دوراً سحرياً في تحقيق النتائج الإيجابية، وهو ما دفعه إلى الاستعانة بالدكتورة، بيبا جرينغ، التي قامت بالإعداد النفسي للاعبي المنتخب الإنجليزي، ويعود لها الفضل في جعل اللاعبين أكثر قوة وثقة في مواجهة الضغوط العصبية قبل المباريات الكبيرة، على حسب ما وصفت الصحف الإنجليزية، حيث أبرزت صحيفة «صن» دور بيبا جرينغ، التي أسهمت في تحسين منظومة العمل داخل المنتخب الإنجليزي، الذي يتم خلف الكواليس بعيداً عن الرصد والأضواء، ووضح تأثير وجودها الإيجابي في النتائج والأداء أيضاً.
واستعان المنتخب الإنجليزي، في نوفمبر الماضي، بخدمات الطبية جرينغ، وأوكل لها مهام تتعلق بتحسين ثقافة وعقلية اللاعبين بشكل عام، وجعلهم أكثر قدرة على التكيف النفسي والتوازن في مواجهة الضغوط، خصوصاً تلك التي تحاصر اللاعبين قبل المباريات الكبيرة.
واعترف نجم المنتخب الإنجليزي، ديلي آلي، بدور الطبيبة النفسية، وقال: «قدمت لنا الكثير، إنها شخصية رائعة على المستويين الإنساني والمهني، ما يميزها أنها تعلم جيداً ماذا تريد، وتعلم الكثير من التفاصيل المتعلقة بكرة القدم، وأجواء المنافسة والضغوط التي نواجهها، ننصت إليها باهتمام كبير حينما تتحدث، لقد حرصت على عقد الكثير من الاجتماعات معنا، ما جعل الجميع يستفيد كثيراً بنصائحها وإرشاداتها».
ولم يقلّ دور مديرة المنتخب الكرواتي، أوليفاري «العمة إيفا»، أهمية في المنتخب الكرواتي عن دور المدرب، زلاتكو داليتش، في الإنجاز الكبير الذي حققه منتخب «الشطرنج» في مونديال روسيا، بحصوله على مركز الوصيف.
وعلى الرغم من أن مهمة العمل المُوكلة إلى «العمة إيفا» كانت إدارية في المقام الأول، إلا أنها أسهمت بشكل مباشر في تحسين الحالة النفسية والذهنية للاعبين الكروات، خصوصاً الشبان الذين كانوا يشعرون بالخوف والرهبة عندما يلتحقون بالمنتخب، لكن مع توالي الجلسات النفسية معهم أصبح الأمر أكثر بساطة على حد قولها لوسائل الإعلام.
واستفاد منتخب كرواتيا من خبرات أوليفاري كونها لاعبة سابقة لكرة المضرب، حيث خطت خطوتها الأولى داخل المنتخب في نهائيات كأس أوروبا 2016 في فرنسا، بعد تعيينها في هذا المنصب عقب مونديال البرازيل 2014.
وتؤكد «العمه إيفا» أنها استشعرت منذ خسارة منتخب بلادها أمام البرتغال، في ثُمن نهائي بطولة أوروبا، أن الحالة النفسية للاعبين كانت بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، خصوصاً أن أغلب عناصر منتخب كرواتيا صغيرة السن، فتم التركيز على هذا الجانب في السنتين الماضيتين، فكانت المُحصلة هائلة في مونديال روسيا.
وبرز دور المرشد النفسي الرياضي لمنتخب السويد، المُلقب بـ«الرجل المعجزة»، دانييل إكفال، مع «أحفاد الفايكنج» من قبل الوصول إلى روسيا، وتحديداً خلال مشوار التصفيات، بعدما تمكنت السويد من حجز مكانها في كأس العالم على حساب إيطاليا وهولندا.
وتتلخص مهمة دانييل إكفال في متابعة الجلسات الجماعية والفردية التي يعقدها الكادر الفني مع اللاعبين، وعلى ضوء ما يصدر من ردود أفعال للاعبين يضع خطة الاستعداد النفسي للمباريات.
وكشف دانييل إكفال عن مهامه مع المنتخب السويدي، وقال في تصريحات صحافية «غالباً ما تكون التحضيرات عبارة عن صورة تظهر ما قاله اللاعبون أنفسهم، نركز بشكل رئيس على أدق التفاصيل، فمثلاً في حال أخطأ اللاعب في تمريرة، نعمل على كيفية القيام بالخطوة التالية على أفضل شكل ممكن».
ولعل من أبرز الوقائع الشهيرة للمرشد النفسي لمنتخب السويد، حينما عقد جلسة نفسية مع اللاعب، أولا تويفونين، وتحدثا فيها سوياً عن حذاء اللاعب الذي حصل عليه قبل مباراة ودية ضد فرنسا، ولم يشعر بأن الحذاء يتجاوب معه على الشكل المطلوب، وبعد تلك الجلسة نجح اللاعب في تسجيل هدفين في المباراة التالية.
تيري هنري.. مرشد نفسي
على الرغم من أن الدور الظاهر للفرنسي، تيري هنري، في الجهاز الفني لمنتخب بلجيكا مدرب مساعد لروبرتو مارتينيز، إلا أن دور نجم الديوك السابق كان أكبر وأعمق من هذا الأمر، وتخطى حدود المستطيل الأخضر إلى داخل الغرف المغلقة، ليلعب دور المرشد النفسي في منتخب الشياطين الحمر.
وتحدث عنه المدرب، روبرتو مارتينيز، قائلاً «ما أبهرني بشدة هو قدرته على نقل خبرته إلى اللاعبين، فهو يدرك جيداً ما يعنيه أن تحقق إنجازاً ما لم تحققه الأجيال السابقة، هنري هو السلاح النفسي الذي نحارب به».
أما مهاجم المنتخب البلجيكي، روميلو لوكاكو، فقال عن هنري: «هو يستمع للاعبين بإنصات كامل، ويقدم لنا النصائح، سواء في الأمور التي تخص حياتنا المهنية أو حتى حياتنا الخاصة، هو بمثابة الصديق الذي تحتاج إليه في الوقت المناسب.
وأضاف لوكاكو: «لم يغِب تيري هنري عن تجمعات اللاعبين داخل الفندق في روسيا، فقد شاركهم لعب الـ(بلاي ستيشن)، والاحتفالات العائلية، وأسهم في تحسين الحالة المزاجية للاعبين، وساعدنا على مواجهة الضغوط التي كنا نعيشها قبل المباريات».
خالد إسماعيل: المرشد النفسي بمثابة المدرب المسؤول
أكد لاعب المنتخب الوطني ونادي النصر السابق، خالد إسماعيل، على أهمية وجود المرشد النفسي في كرة القدم حالياً.
وقال: «تابعنا عبر وسائل الإعلام الأدوار التي قام بها عدد من المتخصصين في هذا المجال، مع المنتخبات المشاركة في المونديال، والمدهش في الأمر أن النتائج جميعها جاءت إيجابية».
وأضاف: «المرشد النفسي شخص لديه خلفية علمية عن التربية البدنية وعلوم الرياضة، وتخصص في علم النفس الرياضي التربوي، وينظر إليه على أنه المدرب المسؤول عن تقييم وتدريب المهارات النفسية المختلفة للرياضي بشكل منفرد، والفريق بشكل جماعي، وهذا العلم ليس من السهل على أي شخص تنفيذه، لكن النتائج مع بعض المنتخبات، خصوصاً في كرواتيا وإنجلترا وبلجيكا والسويد، كانت مذهلة».
ولفت: «ليس بالضرورة أن يكون في كل فريق أو منتخب مرشد نفسي، لكن من الضروري وجود شخص محل ثقة من اللاعبين يستمعون له ويقتنعون إلى نصائحه، وقد يكون هذا الشخص هو المدرب أو مساعده أو أحد أفراد الطاقم الإداري، لقد شاهدنا تلك الأدوار يقوم بها باقتدار الفرنسي، تيري هنري مع بلجيكا، و(العمة ايفا) مع كرواتيا، وهذا الدور النفسي المهم يزيد، من وجهة نظري، على أدوارهم الفنية أو الإدارية».