التكنولوجيا تحسّن التعليم الجامعي وتخفض كلفته
كثيراً ما سعت العديد من الجامعات الأميركية لمحاكاة مجموعة شهيرة تحمل اسم «اتحاد اللبلاب» أو «إيفي ليغ»، تتألف من ثماني جامعات في شمال شرق الولايات المتحدة تشتهر بالتفوق الأكاديمي ودقة انتقاء الدارسين، وتشمل «هارفارد» و«يال» و«براون» و«برينستون» و«كولومبيا» و«بنسلفانيا» و«كورنيل» و«دارتموث».
وأسهم هذا التقليد في رفع تكاليف الدراسة، إذ شيدت الجامعات بنايات فاخرة، واجتذبت مشاهير الأساتذة برواتب مرتفعة، كما وظفت الكثير من الإداريين. ووصل متوسط الرسوم السنوية في الجامعات الخاصة إلى 31 ألف دولار في عام 2014 بزيادة نسبتها 200% مُقارنة مع بداية سبعينات القرن العشرين. ويدين كل خريج جديد في الولايات المتحدة بمبلغ 40 ألف دولار، وأحياناً ما ينتهي الحال بالحاصلين على الدرجات الجامعية ذات التكاليف الباهظة أفقر مادياً من غيرهم الذين لم يسبق لهم الدراسة في الجامعة.
ويرى رئيس جامعة ولاية أريزونا في مدينة فينيكس، مايكل كرو، أن التكنولوجيا الرقمية يُمكنها أن تُقلل من تكاليف الدراسة الجامعية دون أن تُؤثر سلباً في جودتها. وشارك كرو في تأليف كتاب بعنوان «تصميم الجامعة الأميركية الجديدة».
ولا تعد هذه فكرة جديدة، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أتاحت «الدورات أو المساقات التعليمية المفتوحة واسعة النطاق على الإنترنت»، بث محاضرات الجامعات إلى جماهير واسعة مجاناً أو مُقابل كلفة زهيدة. لكنها دائماً واجهت مشكلة عدم مساواتها بحضور الطلاب إلى الجامعات. كما أنها، ومع رخص أسعارها، تحرم الطلاب من الالتقاء ببعضهم بعضاً وتبادل الأفكار والدردشة الاجتماعية العابرة.
وتسعى جامعة ولاية أريزونا إلى المزج بين التعليم المباشر وعبر الإنترنت على نحو يعزز فاعلية كل منهما. وفي مثال على دور التقنيات الرقمية في تحسين كفاءة التعليم الجامعي والحد من النفقات، فإن الكثير من الطلاب يُخفق في إتمام الدراسة في الوقت المُقرر، ويُنهي ثلاثة أخماس الطلاب الدرجات الجامعية التي تتطلب أربعة أعوام خلال ستة أعوام.
وقد يرجع ذلك إلى افتقارهم الإعداد الجيد عند التحاقهم بالجامعة، وتدفع الدرجات السيئة في الحساب ببعض الطلاب إلى ترك برامج دراسية تتضمن الرياضيات. وتستعين جامعة ولاية أريزونا بالتكنولوجيا لرصد مثل هذه العقبات وعلاجها، وتختبر جميع الطلاب الجدد عند بداية التحاقهم بالدراسة لتقديم المساعدة المطلوبة.
وتستخدم الجامعة نظاماً للاستشارة الإلكترونية eAdvisor system لمتابعة الطلاب، ومنذ عام 2008 قدم لجميع الطلاب الجدد خطة إنجاز على الإنترنت تشمل لوحة تحكم يجري تحديثها باستمرار، وتوضح نجاحهم في الالتزام بمسار الدراسة أو العكس.
وتفيض الدورات التمهيدية عبر الإنترنت بالشروحات والإيضاحات لضمان ألا يهدر الأساتذة جانباً كبيراً من وقت المحاضرات في ما بعد في شرح الأساسيات، الأمر الذي يُوفر وقتاً أكبر لتدريس الجوانب الأكثر صعوبة. وتُساعد تحليلات البيانات في تعريف المدربين بالطلاب الذين يُواجهون صعوبات في الدراسة وتطوير الحلول الملائمة.
وتبدو النتائج الأولية جيدة، إذ نجحت جامعة ولاية أريزونا في مضاعفة عدد الطلاب الجامعيين بها منذ عام 2002 ليصل عددهم إلى 82 ألف طالب، وحققت معدلاً معقولاً للمصروفات بلغ 10 آلاف دولار سنوياً للطلاب المقيمين في الولاية، كما ارتفع عدد طلابها الذين يتمكنون من إتمام دراستهم والتخرج بعد أربع سنوات من أقل من الثلث إلى نصف عدد الطلاب، وتطمح إلى وصولهم إلى ثلثيّ عدد الطلاب خلال العام الأكاديمي الجاري.
وفضلاً عن دور البرمجيات في تحسين معدل إنجاز بعض الطلاب، فإنها أحياناً ما تجعل المواد الدراسية أكثر متعة. ويتضمن مساق استكشاف الفضاء الرائج في الجامعة جلسات تفاعلية عصرية وجذابة تُتيح للطلاب دراسة علم الفلك عن طريق السعي للتعرف الى شكل العوالم الصالحة للحياة التي قد يُحتمل وجودها خارج الأرض.
ويُساعد توفير الجامعات المزيد من دوراتها الدراسية على الإنترنت في خدمة أعداد أكبر من الطلاب يعيشون في أماكن بعيدة. وأشار عميد الدراسات عبر الإنترنت في جامعة ولاية أريزونا، فيل ريغير، إلى سرعة نمو عدد الطلاب الدارسين عن بعد، وعادةً ما يكون هؤلاء أكبر سناً ويعملون في وظائف ويتولون مسؤولية عائلاتهم.
وتُلائم الدراسة عن بعد الجامعات، فتسمح لها باستيعاب المزيد من الدارسين دون الاضطرار إلى بناء قاعات أكبر للمحاضرات. ويُفيد هذا المصدر الإضافي للدخل، لاسيما في وقت تُقلص فيه ولاية أريزونا من التمويل الموجه للتعليم العالي. وعقدت جامعة ولاية أريزونا اتفاقاً مع سلسلة مقاهي «ستاربكس» لإتاحة الفرصة لموظفيها لنيل شهادات جامعية عبر الإنترنت.
ولوقت ليس بالقليل، انتشرت رؤية تنظر إلى الدرجات الجامعية عبر الإنترنت باعتبارها أدنى مرتبةً، وهي فكرة بدأت بالتلاشي. وحالياً تُقدم الجامعات المرموقة، مثل جامعة ولاية بنسلفانيا و«كولومبيا»، درجات جامعية في العديد من التخصصات.
وأتاح معهد جورجيا للتكنولوجيا منذ العام الماضي الحصول على درجة الماجستير في علوم الحاسوب عبر الإنترنت بالجودة ذاتها التي تتوافر داخل الحرم الجامعي. وتُقدم جامعة مينرفا الافتراضية، التي تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو مقراً لها، مسارات دراسية عبر الإنترنت للطلاب الذين يتنقلون بين مدينة وأخرى بسبب العمل أو جني الخبرة الثقافية.
وحتى جامعة هارفارد، التي قاومت لفترة طويلة التحول الرقمي، تغيرت قليلاً، وأتاحت ابتداءً من العام الجاري للطلاب التقدم لدرجة الماجستير في الصحة العامة، والدراسة بدوام كامل أو جزئي أو لفترات مكثفة. ولا يُشترط حضور الطلاب إلى الحرم الجامعي طالما حققوا الاعتمادات المطلوبة للمواد.
وينقل هذا الاتجاه إلى فكرة أخرى يُمكنها توفير دورات تتطلب دفع تكاليف الدراسة وتُوفر شهادات معتمدة، وهي «الدورات الصغيرة الخاصة عبر الإنترنت» Small Private Online Course، والتي يُشار إليها اختصاراً باسم «SPOC».
وتُوفر كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد برنامجاً دراسياً يحظى بالشعبية ويتعلق بالسياسة الأمنية للولايات المتحدة عبر الإنترنت. وإلى جانب الطلاب في الحرم الجامعي في مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس، يدرس 500 طالب آخر البرنامج نفسه عبر الإنترنت بشرط تخصيصهم الوقت الكافي، وإنجازهم الكثير من الفروض الدراسية، لكن حتى الآن لا يُمكنهم الحصول على اعتماد رسمي للدراسة.
وتوقع الرئيس التنفيذي لشركة «كنيوتون» لتكنولوجيا التعليم، خوسيه فيريرا، تقبّل الطلاب للدورات الدراسية عبر الإنترنت بالنظر إلى انتشارها السريع، وسهولة توافرها عبر خدمات الحوسبة السحابية.
وقال إنه خلال السنوات القليلة المُقبلة، ستختلف واحدة على الأقل من أرقى المؤسسات التعليمية الأميركية وتقبل اعتماد الطلاب الحاصلين على أفضل الدورات عبر الإنترنت كجزء من الدرجات الجامعية العادية، وحينها ستتبعها بقية الجامعات سريعاً.
وبالإضافة إلى ذلك، يُسهِم تحرير الدراسة الجامعية من القيود الجغرافية في إتاحة المزيد من الخيارات أمام الطلاب، وتوفير مصادر جديدة للعائدات المالية للجامعات صاحبة أفضل العروض الرقمية، أما الأخرى قديمة الطراز التي تُخفق في تقديم القيمة المناسبة مقابل السعر، فربما ستخلو قاعاتها من الطلاب.