باحثون في الفلك والفيزياء استخدموا أجهزة كمبيوتر عملاقة وبرمجيات متقدمة
محاكاة حاسوبية عملاقة تشرح «سيناريوهات» تصادم الكواكب
في محاولة جديدة لفهم ما يدور في الكون الفسيح من أحداث، مثل الاصطدامات المحتملة بين الكواكب والنجوم والأجرام السماوية، وما ينتج عنها من عمليات فناء وولادة أجرام جديدة.. ينفذ فريق من علماء الفلك مشروعاً طموحاً يستخدم أجهزة الكمبيوتر العملاقة والبرمجيات المتقدمة، وأفكار المحاكاة الشائعة الانتشار في عالم الألعاب الإلكترونية، ومن بينها شخصية «ماريو» المعروفة ببعض الألعاب، لتنفيذ عمليات محاكاة دقيقة تشرح كيفية وقوع هذه الأحداث، وتسلسل مراحلها المختلفة. وبدأ الفريق باختبار مدى دقة النظرية القائلة بأن القمر ولد نتيجة تصادم بين الأرض وكوكب أو جرم سماوي آخر بحجم المريخ، وأن القمر ما هو إلا بقايا صخور مصهورة، ناجمة عن الاصطدام.
ويعمل الفريق البحثي، الذي ينفذ المشروع، في «معهد علوم حوسبة الكونيات» بجامعة دورهام البريطانية، ويقوده الدكتور جاكوب كيجريس.
ونشر الفريق أحدث أبحاثه في مجلة الفيزياء الدولية الفلكية، تحت عنوان: «تآكل الغلاف الجوي عن طريق التأثيرات العملاقة على الكوكب الأرضي»، في وقت نشر فيه موقع «ديجيتال تريندس» digitaltrends.com، في الثالث من أكتوبر الجاري، حواراً مع الدكتور كيجريس، قدم خلاله العديد من تفاصيل المشروع.
العمليات الحسابية
ووفقاً لما قاله الدكتور كيجريس، فإنه وفي الأحوال العادية، لا تكون هناك أي فكرة عما يحدث حقاً، عندما تصطدم الكواكب، لافتاً إلى أن العمليات الحسابية الفائقة الحجم، التي يمكن إجراؤها بصورة فائقة السرعة، عبر أجهزة الكمبيوتر العملاقة، والبرمجيات المتقدمة، وأفكار المحاكاة المبدعة، يمكن أن تجسد ما يحدث في الكون وتنقله داخل المعمل، لنشاهده على الشاشة بألوان زاهية.
وقدم الدكتور كيجريس مزيداً من الشرح في هذا السياق، فأوضح أن الأمر بالضبط مثل طريقة عمل ألعاب الفيديو، فلو كان لديك مثلاً شخصية مثل «ماريو» الشائعة الظهور في عالم الألعاب، وتحتاج إليها للقفز والسقوط تحت الجاذبية، فهذا يعني أن برنامج اللعبة لديه معادلة للجاذبية، ويقوم بمحاكاة بسيطة جداً للعمل، لمعرفة مدى سرعة سقوط هذه الشخصية، وهو المبدأ نفسه الذي تم تطبيقه في مشروع محاكاة الأحداث الكونية، لكن باستخدام معادلات أكثر دقة للقيام بهذه الأشياء القائمة على الفيزياء.
نماذج المحاكاة
عند إنشاء نماذج محاكاة الكواكب والأجرام السماوية المعتمدة على الأفكار السائدة في عالم الألعاب الإلكترونية، قام الباحثون بتمثيلها كمئات الملايين من الجسيمات، وكل منها يسحب بعضها الآخر تحت الجاذبية، ويدفع بضغط المواد.
ويأخذ النموذج في الاعتبار تفاصيل دقيقة عن الحياة الواقعية، مثل: كيفية تصرف المواد الكوكبية، مثل: الصخور والحديد في درجات حرارة مختلفة وكثافة مختلفة، وكيف تؤثر الجاذبية والضغط في الجسيمات، أو كيف تتفاعل هذه الجسيمات، وفقاً لمعادلات الديناميكا المائية.
ولتنفيذ ذلك، استدعى الأمر وجود «كود» برمجي قادر على إدارة هذه العملية، وتسجيل وتوثيق بياناتها، وكمبيوتر عملاق لتنفيذ العمليات الحسابية في وقت قصير.
أما في ما يتعلق بالبرمجيات، فقد وجد الباحثون ضالتهم في «كود» برمجي مفتوح المصدر، كتبه مجموعة من علماء الفلك وعلماء الكمبيوتر والبرمجة معاً، يطلق عليه «سويفت»، وهو متخصص في الديناميكا المائية والجاذبية، ثم أنشؤوا نموذج المحاكاة المطلوب تشغيله في البحث، وحجزوا وقتاً على أحد أجهزة الكمبيوتر العملاقة، لتشغيل الكود البرمجي عليه، وتنفيذ مليارات العمليات الحسابية المطلوبة للقيام بنموذج المحاكاة الخاص بالمهمة.
التحقق من النظرية
قال الدكتور جاكوب كيجريس إن عمليات المحاكاة لاتزال جارية، ومن المحتمل أن تلقي بعض الضوء على تكوين القمر، والتحقق من صحة النظرية الأكثر قبولاً الآن، والتي تقول إن القمر تشكّل نتيجة تصادم بين الأرض وكوكب آخر بحجم كوكب المريخ. ووفقاً للنظرية، فإنه يُفترض أن الحطام الناتج عن الاصطدام أصبح محاصراً في مدار الأرض، و«تجمد» في النهاية ليصبح قمراً.
وأضاف «إذا تمكنا من فهم تاريخ الغلاف الجوي للأرض جيداً بما فيه الكفاية، فقد يساعدنا ذلك في تضييق نطاق التآكل الذي كان ينبغي أن يكون عليه الاصطدام المكون للقمر».