الكلفة المناسبة تمثل التحدي الأكبر أمام أغلبية تعيش في دول منخفضة ومتوسطـــة الدخل

تقنيات لمساعدة الصُّم عـلى الشعــور بالأصوات

التقنيات تساعد الصم على الاندماج في محادثات حية مع الآخرين. أرشيفية

ربما لا يُعيق فقدان حاسة السمع، الأشخاص من الناحية الشكلية، مثل بعض الإعاقات الحركية، لكنه يُصعب من سير الحياة بشكل طبيعي، مثل التعامل مع الهواتف أو أصوات آلات التنبيه والنداءات في الشارع، فضلاً عن التواصل بشكل عادي مع الآخرين.

ولذلك، يلجأ من يواجهون مشكلات في حاسة السمع والصُّم إلى تقنيات مساعدة، مثل التعامل بلغة الإشارة، أو أجهزة المساعدة على السمع. وبينما تلعب هذه الأدوات ــ مع عدم توافرها للجميع ــ دوراً أساسياً في حياة العديدين، فإن تقنيات أخرى تسعى إلى مساعدتهم على الشعور بالأصوات المحيطة، مثل الموسيقى وآلات التنبيه، بهدف المساعدة على حمايتهم من الأخطار، وتيسير الحياة اليومية.

ويُمكن تصنيف معظم هذه الابتكارات ضمن «التقنيات القابلة للارتداء»، لكن أغلبها لم يتعد مرحلة الأبحاث لطرحه، منتجاً قابلاً للاستخدام في الأسواق، كما أن كلفة هذه المنتجات تتجاوز قدرات العديد ممن يعانون مشكلات في حاسة السمع حول العالم، بحسب تقرير لموقع «بي بي سي».

سوار «فيبروهير»

ومن بين أحدث الابتكارات في هذا الشأن، سوار «فيبروهير» الذي يهدف إلى مساعدة الصُّم على الشعور بالأصوات المحيطة من خلال الضوء والاهتزازات، ما يساعد في تنبيههم لأخطار محتملة.

وقدم السوار فريق من 20 طالبة في كليتيّ «الإدارة والاقتصاد» و«الهندسة» في جامعة قطر، ويعتمد السوار المضيء على مصابيح بالغة الصغر تضيء باللونين الأخضر والأحمر، اعتماداً على شدة الصوت ومدى قربه ممن يرتدي السوار؛ ففي حالة الصوت المنخفض، فإن مصباحاً واحداً يضيء باللون الأخضر، بينما في حالة الأصوات المرتفعة، فإنه يبرق باللون الأحمر مع اهتزازات يشعر بها المستخدم على معصمه قد تُنذر بالخطر باقتراب سيارة، أو صوت جهاز إنذار.

وبحسب المسؤولة عن المشروع، هيا النعيمي، فإن ما دفعهم لتصميم «فيبروهير» هو مساعدة ذوي الإعاقة السمعية على التمتع بقدر من الاستقلالية وحياة مريحة مثل الآخرين.

ابتكار «فيبرينج»

وفي ابتكار مشابه يهدف لتنبيه ذوي الإعاقة السمعية للأصوات، خصوصاً الصادرة من السيارات والدراجات أثناء سيرهم في الطريق، قدم فريق من المصممين في كوريا الجنوبية منتج «فيبرينج» الذي يتألف من ساعة حول المعصم، مع خاتمين يرتدي المستخدم واحد في كل يد.

ويعمل الخاتمان أو الحلقتان، أذنين، للاستماع إلى الأصوات المحيطة وتقدير مدى قربها من المستخدم والاهتزاز بحسب المسافة، كما تعرض شاشة الساعة معلومات عن مصدر الصوت والمسافة التي تفصله عن المستخدم. وبدأ المصممون العمل على «فيبرينج»، باعتبارها أداة لتنبيه الأشخاص الذي يستمعون للموسيقى بصوت عالٍ، من خلال سماعات الأذن أثناء سيرهم في الطريق، قبل أن يتنبه الفريق إلى إمكانية استخدامه لمساعدة الصُّم على الانتباه للأصوات المحيطة.

وجرى تصميم الخاتمين لرصد أصوات السيارات والدراجات في الطريق، وكذلك كلمة «عفواً» أو النداء باسم المستخدم، كما يمكن إضافة أصوات أخرى. ويرى الفريق أن الابتكار قد لا يُحسن كثيراً حياة من يعانون إعاقة في السمع، لكن من الممكن أن يسهم في إنقاذ حياة البعض.

نظارة كورية

ومن كوريا الجنوبية أيضاً، قدم فريق من الباحثين في «المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتقنية» في عام 2012 نظارة تعرض أمام الصُّم إشارات ضوئية بهدف مساعدتهم على إدراك الأصوات القريبة.

ويحيط إطار النظارة سبعة من مُكبرات الصوت بالغة الصغر ترصد الأصوات المحيطة، ويمكنها تحديد ما إذا كانت عادية أو تنذر بخطر قريب، ومن ثم تُنبه المستخدم للأصوات المرتفعة بومضات ضوئية.

ولايزال الابتكار بحاجة إلى مزيد من التطوير؛ إذ يتطلب عمل النموذج الجاري منه وجود كمبيوتر محمول صغير مع المستخدم، ليتمكن من معالجة الإشارات، ويأمل الفريق أن ينجح في تطوير الجهاز ليصل إلى حجم أصغر يلائم الاستخدام العملي.

الموسيقى للصم

في السياق نفسه، حاول المصمم الألماني، فريدريك بودزويت، مساعدة من يعانون مشكلات في السمع على تجربة إحساس الاستماع إلى الموسيقى من خلال مفهوم «الموسيقى للصُّم»، والذي يعتمد على قلادة يمكن ارتداؤها حول الرقبة تُحوِّل النغمات الموسيقية إلى اهتزازات تُحفز المناطق الخاصة بالسمع في دماغ المستخدمين، إلا أنه بدلاً من أن يستمع مرتدو القلادة إلى أصوات، فإنه يمكنهم الشعور بالاهتزازات على بشرتهم.

وعلى الرغم من أن هذه الابتكارات وغيرها تبدو واعدة، ومن الممكن أن تُسهل ولو جزئياً الحياة اليومية لمن يواجهون مشكلات في حاسة السمع، إلا أن معظمها في مرحلة التصميم الأولي، وتحتاج للكثير قبل أن يتم طرحها في الأسواق.

عرض وطلب

ويقول مدير التسويق في منظمة «خدمة الاتصالات للصُّم» الأميركية التي تعمل على ابتكار المنتجات والخدمات الملائمة للصُّم، أنتوني مول، إنه توجد بالفعل العديد من الأفكار الرائعة، إلا أن كلفة الانتقال من مرحلة الأبحاث والتطوير إلى الإنتاج الفعلي تتجاوز بكثير عائد تقديم منتج متخصص لفئة بعينها. ويرى أن نظام العرض والطلب من أكبر العقبات أمام طرح منتجات ملائمة للصُّم.

وبحسب أرقام «منظمة الصحة العالمية»، فإن نحو 5% من سكان العالم يعانون فقدان حاسة السمع، أي نحو 360 مليون شخص، تعيش أغلبيتهم في دول منخفضة ومتوسطة الدخل. وبالتالي، تتجاوز معظم الأجهزة المساعدة على السمع قدرات معظمهم. كما أن جزءاً كبيراً منهم يعاني البطالة. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة، فإنه في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وحدهما، تبلغ معدلات البطالة لدى الصُّم ضعف معدلها لدى بقية السكان، إن لم يكن أكثر من ذلك.

وسائل بديلة

ويعتقد المتخصص في التقنية لدى منظمة «العمل ضد فقدان السمع» الخيرية البريطانية، توماس فيديان، بأهمية البحث عن حلول أخرى بالاستعانة بالأجهزة العادية التي توجد لدى كثيرين، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، بديلاً عن الاستثمار في منتجات مساعدة مُكلفة، وعوضاً عن شراء جهاز مساعد يمكن شراء برنامج ملائم للصُّم.

وعلى سبيل المثال سهل نمو وسائل الاتصالات النصية، مثل الإنترنت والبريد الإلكتروني والرسائل النصية، على الصُّم، المرور بكثير من المواقف الصعبة والمحرجة التي اعتمدت في الماضي على الاتصالات الهاتفية وحدها.

وينظر العديدون إلى «نظارة غوغل» باعتبارها ابتكاراً واعداً قد يُسهِّل بشكل كبير من حياة الصُّم، فمن بين إمكانات النظارة عرض معلومات نصية بشكل مباشر أمام من يرتديها، كما يمكن بالاستعانة بتقنيات «غوغل» الأخرى مثل التعرف الى الأصوات، وإمكانية تقديم ترجمة نصية فورية كما هو الحال مع مقاطع الفيديو في موقع «يوتيوب»، مساعدة الصُّم على الاندماج في محادثات حية في الوقت الحقيقي من خلال مشاهدتهم لترجمة نصية لما يقوله الآخرون وتواصلهم بالعين.

وربما يتعين الانتظار لوصول «نظارة غوغل» إلى الأسواق، الذي يُتوقع أن يتم خلال العام المقبل، ومتابعة التطبيقات المتاحة، إلا أن الحاجة تبقى إلى تقنيات تساعد من يعانون مشكلات جزئية أو فقدان لحاسة السمع على التغلب على عقبات الحياة اليومية، والأهم من ذلك أن تتوافر مثل هذه الأجهزة بكلفة مناسبة.

تويتر