الإسهام الجماعي في المعلومات المتعلقة بالأماكن ودقة تحديد الموقع أبرز سماتها

تطور الخرائط يثري إمكانات استخدامها

دمج قواعد البيانات الضخمة والتقنيات الحديثة مع الخرائط سهّلا التفاعل معها. غيتي

يعد الغرض الأول من إعداد الخرائط بيان موقع مكان ما، دولة أو مدينة أو شارعاً، بالنسبة للعالم المحيط، بما يقدم صورة كلية لا نستطيع إدراكها بعيوننا المجردة، إلا أنه من الصعب حالياً حصر جميع استخدامات الخرائط؛ إذ صارت تستخدم لتصوير العلاقة بين المكان وعدد لا حصر له من الموضوعات، مثل الصحة والسكان والمرور.

كما لم تعد الخرائط تقتصر على النسخ الورقية والأطالس، التي نقلب صفحاتها بحثاً عن الطريق إلى مدينة، أو صوراً للتضاريس؛ بل تحولت كغيرها إلى الصورة الرقمية على شاشات الحواسب، وضمن معدات السيارات، وعبر تطبيقات الهواتف الذكية، ما غيّر كثيراً من طريقة تفاعلنا مع الخرائط، وأحدث أساليب جديدة في تخطيط الرحلات والتنقلات اليومية، وحتى طرق تخطيط المشروعات التجارية والحكومية.

وأسهم تطور تقنيات وخدمات عدة في إثراء الخرائط بالمعلومات والتحديثات الآنية في الوقت الحقيقي، فبفضل البيانات الكبيرة، والملاحة بالاستعانة بالأقمار الاصطناعية، والهواتف الذكية المزودة بخاصية تحديد المواقع الجغرافية ”جي بي إس”، والشبكات الاجتماعية، ورسوم الغرافيك الثلاثية الأبعاد، اكتسبت الخرائط أبعاداً أخرى اجتماعية وعملية.

وصارت الخرائط بطريقة أو بأخرى وسيلة للتفاعل الاجتماعي؛ فإلى جانب تحديد مكان الوجود والأماكن المهمة المحيطة، فإنها باتت تساعد المستخدمين على معرفة مواقع الآخرين، وتبادل المعلومات والتعليقات معهم حول الأماكن التي يرون أنها مهمة أو مفيدة، ويحدث ذلك يومياً بتسجيل مكان الوجود عبر الهواتف الذكية المزودة بخاصية ”جي بي إس”، ومشاركة الموقع مع الأصدقاء في الشبكات الاجتماعية عموماً، وفي تطبيقات متخصصة مثل ”فورسكوير”، الذي يعرض معلومات حول المتاجر والمطاعم والأماكن العامة، تعتمد على إضافات مستخدميها، الذين يتجاوز عددهم 30 مليون شخص.

كما تعرض تطبيقات شركة ”ويز”، التي استحوذت عليها ”غوغل” قبل أشهر قليلة، تحديثات في الوقت الحقيقي حول الاتجاهات وكيفية تغيير المسارات لتجنب الشوارع المزدحمة وأشغال الطريق، وتعتمد على معلومات يشاركها المستخدمون الموجودون في مكان معين في الوقت الحقيقي لتصل إلى غيرهم.

ويمكن تشبيه ما يفعله مستخدمو ”ويز” بالمساهمة الجماعية في إعداد الخرائط وتحديثها بصورة فورية على مدار اليوم، وهو ما يتحسن بمشاركة مزيد من الأشخاص، وعلى الرغم من غياب إمكانية التحقق المستقل من البيانات في الأعمال المعتمدة على المشاركة الجماعية عموماً، إلا أن مثل هذه الخدمات يمكن أن تُحسن من دقة الخرائط لمصلحة الجميع.

وبحسب شركة ”أوكسيرا” للأبحاث والاستشارات، فإن تحسن الملاحة يُسهِم في توفير ما يزيد على مليار ساعة في السفر، و3.5 مليارات لتر من الوقود حول العالم كل عام.

كما أثرت سهولة الوصول إلى الخرائط في طرق تخطيط الرحلات والتجول من دون الاستعانة بدليل حتى في المدن التي يزورها الشخص للمرة الأولى.

ويرى المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ”آربن مابينغ”، إيان وايت، أنه يمكن للسائحين الاستعانة بهواتفهم الذكية في التخطيط لرحلاتهم، من خلال عرض خريطة ثلاثية الأبعاد على الحائط، وإضافة طبقات من المعلومات مثل المعالم، والمطاعم، وتوصيات من الأصدقاء، فضلاً عن وسائل المواصلات والمواعيد.

وإذا ما تجاوزنا الاستخدامات الشخصية، تساعد الخرائط المخصصة في التخطيط للأعمال على نحو أفضل.

ويضيف وايت أنه ”يمكن لسلسلة مطاعم، تحتاج إلى أن تحدد المكان الأنسب لافتتاح المطعم التالي، أن تعتمد على الخرائط للوصول لقرارٍ أفضل، فإذا ما رغبت في استهداف مجموعة سكانية ذات خصائص ديموغرافية معينة، أو منطقة ذات كثافة سكانية عالية؛ يمكن وضع تصور على الخرائط يُظهر وسائل المواصلات، وأعداد الناس الذين يمكنهم الوصول إلى موقع معين في فترة زمنية محددة”.

ويتوقع وايت مستقبلاً أن تستخدم طائرات من دون طيار مزودة بكاميرات وأدوات استشعار؛ لإعداد خرائط تظهر نصيب كل مبنى من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بما يُمكن السلطات الحكومية على سبيل المثال من تحديد ضرائب على الشركات بحسب الانبعاثات الكربونية التي تنتجها.

ويتوقع البعض، مثل العالم في وكالة ”أوردنانس سيرفاي (أو إس)”، المتخصصة في إعداد الخرائط في بريطانيا، جون غودوين، أن الخرائط يمكن أن تتطور بطريقة قد لا نستطيع أن نتصورها حالياً.

ويقول غودوين: ”ربما تتحدث الخرائط إلينا، خصوصاً عندما لا ترغب في التوقف كل حين لتنظر في هاتفك الذكي”.

ويضيف أن الخرائط تتجه لتكون أكثر تخصيصاً، بما يناسب كل فئة أو تخصص؛ فمن خلال إمكانية ربطها بعدد لا نهائي من قواعد البيانات، يمكن للصيادين أو راكبي الدراجات، على سبيل المثال، إضافة أي معلومات تهمهم وتتصل بمجال عملهم إلى الخرائط.

ويتواصل البحث عن سبل لتطوير الخرائط وتسهيل التعامل مع بياناتها، مثل المنصة التي طورتها شركة ”وات 3 ووردس”، التي أسسها كريس شيلدريك، وتعتمد على تقسيم الكرة الأرضية إلى 57 تريليون مربع، مساحة كل منها ثلاثة أمتار مربعة، ومنح عنوان يتألف من مزيج من ثلاث كلمات يتم توليدها عشوائياً لكل مربع، كما يمكن شراء عنوان يتألف من كلمة واحدة، ما يجعل العناوين أسهل في التذكر.

ويقول شيلدريك إن نظام ”وات 3 ووردس” يتوسط الطريق بين الرموز البريدية وإحداثيات ”جي بي إس” الدقيقة والمعقدة؛ فمن خلال عمله سابقاً في محال تنظيم الفعاليات الموسيقية، لاحظ أن بعض الناس يضلون الطريق إلى إحدى الحفلات، ويضيف أن الرمز البريدي لا يُعد دقيقاً بدرجة كافية، ولاسيما في المناطق الريفية.

وعلى الرغم من تأثير سهولة تصنيف وإعداد قواعد ضخمة من البيانات في جعل الخرائط أكثر ثراء بالمعلومات، يظل الموضوع الأساسي للخرائط هو المكان والعلاقة المتبادلة مع الإنسان وجوانب الحياة المختلفة.


 

تويتر