• «أكتيفا» طوّرت برنامجاً لترميز الوجوه يتتبع حركة الحاجبـين ويُميّز بـين العبوس والابتسامة
شركة أميركية تسعى إلى استخدام «قراءة تعبـيرات الوجوه» في التعليم والصحة
قد يفوق الوقت الذي يستخدم فيه بعضنا الأجهزة الإلكترونية، وقت تفاعلهم المباشر مع غيرهم من الأشخاص، لكن أجهزة الكمبيوتر والهواتف ــ مع الإقرار بتحسن قدرتها على استشعار البيئة المحيطة بالمستخدم، وتزويده بالمعلومات التي قد يحتاج إليها ــ تبقى آلات، فماذا لو استطاعت هذه الآلات التعرف الى مشاعر المستخدمين من خلال قراءة تعبيرات وجوههم مثلاً، والاستجابة تبعاً لها؟
ليس من السهل حصر تطبيقات ذلك حال حدوثه؛ فعلى سبيل المثال من المحتمل أن يكف الهاتف تلقائياً عن إرسال تنبيهات بوصول رسائل نصية من جهة معينة، إذا ما شعر بانشغال المستخدم أو حاجته إلى التركيز.
وبعيداً عن أن بعض هذه الاستخدامات قد يثير الخيال بشأن مستقبل تفاعل البشر مع الآلات، واحتمال وقوع أخطاء في تقدير حقيقة المشاعر، يقوم العديدون منا وبسهولة شديدة بقراءة تعبيرات وجوه الآخرين للتعرف الى ما يشعرون به؛ وذلك على الرغم من أن محاولة تحديد المشاعر من خلال الوجه ليست ممكنة في كل وقت.
وتسعى تقنيات جديدة لنقل الخبرات البشرية في قراءة تعبيرات الوجوه وتحليلها إلى الآلات، لتتمكن من فك رموز تعبيرات الوجه وتفسير ما تتضمنه من مشاعر، وتشمل تطبيقات ذلك اختبار فاعلية الإعلانات المصورة، وتحسين التعليم عن بعد، وتقديم المساعدة للمصابين بمرض التوحد، وغيرها.
ومن أبرز المهتمين بالمجال شركة «أكتيفا» الأميركية الناشئة، التي تأسست قبل أربع سنوات، وطورت خوارزمية وبرنامجاً لترميز الوجوه يحمل اسم «أفدكس» يتتبع حركة الحاجبين، ويُميز بين العبوس والابتسامة، والابتسامات المتكلفة والساخرة.
وفي العام الماضي، درست الشركة تعبيرات وجوه ما يزيد على 1000 شخص من أربعة بلدان أثناء مشاهدتهم 115 إعلاناً تلفزيونياً، بينما ترصد كاميرات الـ «ويب» وجوههم. ومن خلال مقارنة تحليل التعبيرات مع البيانات الحقيقية لمبيعات هذه الشركات، تبين أنه يمكن لتحليل تعبيرات الوجوه التنبؤ باتجاه المبيعات، أي ارتفاعها، أو تراجعها أو بقائها ثابتة بعد بث الإعلانات التجارية بنسبة دقة بلغت 75%، وهي نسبة مرتفعة، مع العلم أن نسبة دقة التوقعات المستقاة من إجابات المشاركين لأسئلة حول مشاعرهم تجاه الإعلانات بلغت 70%.
ويمثل نجاح تحليل تعبيرات الوجوه في التنبؤ بالمبيعات علامة فارقة في مجال «الحوسبة الوجدانية»، التي تشير إلى تطوير أدوات يمكنها تفسير ومعالجة ومحاكاة التأثيرات البشرية، وتسعى لتمكين أجهزة الكمبيوتر من قراءة انفعالات الوجوه.
ولا يعني هذا النجاح فقط إمكانية استخدام الآلات في قراءة بعض المشاعر، لكنه يؤشر أيضاً إلى دورها في توقع سلوكيات المستخدمين في ما بعد، الأمر الذي يهم بالتأكيد مجال الأعمال، خصوصاً سوق الإعلانات التلفزيونية الذي يتجاوز حجمها في الولايات المتحدة وحدها 70 مليار دولار.
وبالفعل يستخدم نظام «أفدكس» لترميز الوجه شركات متعددة تعمل في أبحاث السوق، مثل «إنسايت إكسبريس»، و«ميلوارد براون»، وأيضاً شركات المنتجات الاستهلاكية، مثل «يونيليفر»، و«مارس».
لكن الاستخدامات المحتملة لنظام ترميز حركة الوجوه، تتجاوز مساعدة المعلنين على تسويق منتجاتهم إلى مجالات أخرى، منها مساعدة المصابين بمرض التوحد على التعرف إلى مشاعر الآخرين من خلال تعبيرات الوجه، وتعزيز قدرة المعلمين على استشعار المشكلات التي يواجهها طلابهم، خصوصاً في الدورات التدريبية عبر الإنترنت، ومساعدة الأطباء على تحديد ما إذا كان المرضى يفهمون التعليمات الطبية جيداً، كما يمكن أن تحسن التقنية من ألعاب الحاسب عبر الكشف عن عواطف اللاعبين، والاستعانة بردود أفعالهم لتغيير اللعبة أو الشخصية الافتراضية.
وبرزت مثل هذه الاستخدامات التعليمية والعلاجية في رؤية شركة «أكتيفا»، التي تتخذ من ولاية «ماساتشوستس» مقراً لها، وربما يبدأ الشهر المقبل العمل على مثل هذه التطبيقات، وغيرها، مع استعداد الشركة لإطلاق حزمة تطوير البرمجيات؛ للمساعدة على تطوير تطبيقات مختلفة تعتمد على منصتها.
وتأمل المؤسسة المشاركة والرئيسة العلمية التنفيذية للشركة، رنا القليوبي، أن تنتشر هذه التقنية إلى مجالات أخرى غير التسويق، بحسب ما ذكرت لمجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» الأميركية.
وقالت القليوبي إنه «يمكن للشركات استخدام تقنيتنا لأي شيء ابتداءً من الألعاب والترفيه إلى التعليم وبيئات التعلم».
واستفادت الشركة من عملها طوال السنوات الثلاث الماضية في مجال أبحاث السوق، فكونت قاعدة بيانات تتألف من مليار رد فعل تظهر في تعبيرات الوجوه عبر كاميرات الـ«ويب» من جميع أنحاء العالم، ومن الممكن أن يُسهِم تحسن دقة النظام في طرح تطبيقات تتعرف إلى العواطف، من خلال تعبيرات الوجوه بواسطة أجهزة الكمبيوتر المستخدمة في المنازل والأجهزة المحمولة.
ومن الممكن أن تُسهم استعانة «أفدكس» بمشاركين ينتمون إلى 52 دولة في الكشف عن معلومات تتعلق بالثقافة والجنس، خصوصاً عند التعامل مع أشخاص لا يرغبون في بيان مشاعرهم.
ومن بين أهم المجالات المؤهلة للاستفادة من تقنية قراءة تعبيرات الوجوه، التعليم، وهو ما ساندته مجموعة من الدراسات؛ إذ أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة «كاليفورنيا سان دييغو» الأميركية، قدرة تعبيرات الوجه على تحديد مدى صعوبة محاضرة الفيديو، وسرعة العرض الملائمة لدى الطلاب. كما أشارت دراسة أخرى إلى دورها في قياس مدى اندماج ومشاركة الطلاب في جلسة إرشاد معتمدة على أجهزة «آي باد» اللوحية، وإمكانية استخدام هذه المقاييس لتوقع أداء التلاميذ في الاختبارات.
وخلال سنوات قدم مختبر «بيكارد» نماذج أولية لتقنيات تستشعر العواطف البشرية بطرق مختلفة، منها فأرة أو «ماوس» يمكنها الشعور بقبضة اليد، وروبوت أطلق عليه اسم «قسمت» يمكنه محاكاة تعبيرات الوجه البشري، و«جالفاكتيفتور»، وهو جهاز يمكن ارتداؤه مثل القفازين، ويستطيع قياس نبض القلب والعرق، بجانب نظام ترميز تعبيرات الوجوه الذي طورته القليوبي.