متخصصون يؤكدون أنه لا يمكن للروبوتات أن تغني عن التواصل الإنساني مع كبار السن. غيتي

مخاوف من تهديد «روبوتات» للدور الإنساني في رعاية المسنّين

يعتقد علماء أنه يمكن لـ«الروبوتات» تحمّل بعض من أعباء الرعاية الصحية للمسنين، وأن توفر لهم رفقة بدلاً من البقاء بمفردهم. لكن الأمر لا يخلو من تحديات، تبدأ من تطوير «روبوتات» ملائمة، وخفض كلفة الحصول عليها للمستخدمين العاديين، ولا تنتهي بتساؤلات حول مدى إمكانية الاعتماد عليها بديلاً عن التفاعل الإنساني المباشر، وما إذا كانت ستدفع الأبناء والعائلات ودور الرعاية إلى إهمال كبار السن والاكتفاء بتقديمها لهم.

ويُعد النمو المطرد في أعداد المسنين بسبب ارتفاع معدلات الأعمار ومستوى الرعاية الصحية، الدافع الأساسي لأبحاث ومشروعات تطوير «روبوتات» لرعاية المسنين، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن يصل عدد سكان العالم ممن تتجاوز أعمارهم 65 عاماً إلى 1.5 مليار نسمة.

وتتجلى هذه المشكلة أكثر في اليابان التي تضم العدد الأكبر من المسنين في العالم، ويُتوقع بحلول عام 2030، أن يكون نحو ثلث سكانها قد تعدوا سن التقاعد، أي سن الـ65، ولذلك خصصت حكومتها، خلال العام الجاري، 2.39 مليار ين (نحو 23 مليون دولار) لدعم تطوير «روبوتات» مُساعدة للمسنين.

كما سبق أن كشفت شركات يابانية عن مشروعات في هذا الشأن، من بينها جهاز طورته شركة «تويوتا» يساعد على حمل المسنين، ومساعد آلي مُزود من شركة «تولي» زودته بمستشعر لاسلكي يمكنه متابعة حركات الشخص المسن، كما جرى تطوير «روبوت» خاص مُزود بـ24 إصبعاً لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في تحريك أيديهم على غسيل الشعر، وتدليك الرأس.

وخارج اليابان، قدمت المفوضية الأوروبية دعماً يُقدر بنحو 10.8 ملايين دولار للمشروع، المعروف اختصاراً باسم «ستراندس» في جامعة «برمنغهام» البريطانية، ويعمل المشروع على تطوير «روبوت» من المقرر أن يبدأ اختباره في مايو 2014 في واحدة من دور الرعاية النمساوية، وسيبدأ الاختبار بتجارب بسيطة، مثل تأكد الروبوت من خلو الطريق إلى الأبواب المقاومة للحريق، ومن توافر جهاز «مُزيل الرجفان» الذي يُعالج اضطرابات ضربات القلب، ووضعه في مكانه الصحيح.

واعتبر المشارك في مشروع «ستراندس»، الدكتور نيك هاويس، أن أحد أهدافه هو توفير مزيد من وقت موظفي الرعاية الصحية، وقال ضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي»: «واحدة من أكبر الشكاوى من أعضاء فرق الرعاية الصحية هي عدم قضائهم الوقت الكافي في التفاعل الإنساني والعناية بالمسنين».

وأشار هاويس إلى أنه كان بمقدور الروبوت إحضار علبة أو طبق الدواء في الوقت الذي يتحدث فيه موظف الرعاية مع المسن، فيُسهِم ذلك في زيادة التفاعل بينهما، بدلاً من انشغال الموظف بمجرد إحضار علبة الدواء وإخراجه منها.

وتتطلع مشروعات أخرى إلى مدى أبعد يجعل الروبوتات أكثر نشاطاً، وأحسن مظهراً في تقديم خدمات الرعاية للمسنين، ومنها مشروع «موبيسيرف» الذي تدعمه ثماني جامعات وشركات أوروبية تنتمي إلى سبع دول.

ويعمل «موبيسيرف» على تقديم روبوت يمثل صحبة لرفاق السن، ابتداءً من اقتراح القيام بتمرينات رياضية بسيطة، وحثهم على تناول الأغذية الصحية وشرابهم المفضل، وحتى تنبيههم إلى عدم تحدثهم إلى آخرين منذ فترة، ومن ثم يقترح إجراء مكالمات هاتفية، أو يعرض مشاهدة صور العائلة والأصدقاء، أو تجربة بعض الألعاب.

ويمكن استخدام الروبوت للتحكم في المنزل، مثل فتح الباب، كما يُذكّر بمواعيد تناول الدواء، ويمكنه الاتصال بالطوارئ في حالة الضرورة، كما زُوّد بعجلات للحركة، وكاميرا ومستشعرات، وشاشة لمسية، وإمكانية الاستجابة للأوامر الصوتية.

وفي مشروع آخر، يُطور الباحث أنطونيو إسبينجارديرو، من جامعة «سالفورد» البريطانية، «روبوت» لتقديم الرعاية باسم «بي 37 إس 65»، يستطيع متابعة الأشخاص على مدى اليوم، إضافة إلى إمكانية برمجته لتقديم علاج للنطق وتمرينات التعرف إلى الأشياء لعلاج المصابين بداء «الخرف» الذي يتسبب في تدهور وظائف الدماغ كالإدراك والتذكر.

ويمكن للروبوت «بي 37 إس 65» تقديم الرعاية التفاعلية للمسنين، والتعرف إلى الوجوه والاحتفاظ بتفضيلات كل مستخدم، وإرسال تذكيرات بمواعيد الدواء إلى الهاتف المحمول، وتذكير بالمهام اليومية، والاتصال بالطوارئ والأطباء عند الحاجة.

ويبحث حالياً «إسبنجارديرو» وفريقه المزايا والعيوب النسبية لكلٍ من الرعاية الإنسانية ورعاية الروبوتات، ويعتقد الباحث أن بإمكان الروبوتات تقديم تفاعل هادف يتكامل مع الاتصال البشري.

لكن وجود الروبوتات في مجال رعاية المسنين لا يقتصر على الأبحاث ومشروعات التطوير، فمنذ سنوات يتمتع روبوت «بارو» بشعبية كبيرة في اليابان، وبعكس الأمثلة السابقة، لا يمكن لـ«بارو» حمل الأطباق أو تقديم المساعدة المادية، بل يقتصر دوره على الدعم العاطفي للمسنين.

ويمزج مظهر «بارو» بين صغير حيوان الفقمة من جانب، وألعاب الأطفال ذات الفراء من جانب آخر، وجرت برمجة الروبوت على الاستيقاظ نهاراً والنوم ليلاً، ويمكن له إظهار بعض المشاعر، مثل الدهشة والحزن والغضب، والتعبير عن الشعور بالجوع، أي حاجته إلى الشحن.

كما يستجيب «بارو» للمس والأصوات والضوء والحركة، ويمكنه بعد فترة حفظ الاسم الذي يدعوه به صاحبه، وكذلك التعرف إلى التعبيرات المتكررة، مثل التحيات وعبارات الثناء.

ويُثير الاعتماد على الروبوتات لتقديم الدعم العاطفي للمسنين مخاوف الهيئات المهتمة بهم، باعتبارها تعارض حملاتها الداعية للعناية الاجتماعية والنفسية بكبار السن، فضلاً عن تخوفات من أن تُعتبر الروبوتات تهديداً لأهمية الدور المنوط بالأسر والعاملين في مجال رعاية المسنين.

وتقول جمعية «إيج يو كي»، المهتمة بالدفاع عن حقوق المسنين وتحسين حياتهم في المملكة المتحدة، أن نصف كبار السن يعتبرون التلفزيون الرفقة الأساسية لهم، كما يشتركون في الخدمات التي تجمع أشخاصاً يتطوعون بزيارة المسنين الذين يقيمون بمفردهم، والتحدث معهم، ويعتقد المسنون أن مثل هذه الخدمة تصنع فرقاً مهماً في حياتهم على نحو لا يمكن للروبوتات القيام به.

وفي الوقت نفسه، لم ترفض كارولين إبراهامز، مديرة الجمعية الخيرية في «إيج يو كي»، توظيف التقنية في خدمات المسنين بشكل ٍكامل، بل دعت إلى عدم طغيانها على أهمية التفاعل الإنساني.

الأكثر مشاركة