تغني الباحثين عن مراجعة آلاف الأوراق وتحدد بدقة المعلومات المهمة
برمجيات تُنقّب في الأبحاث العلمية للتوصل إلى اكتشافات جديدة
في كل عام، تُخرج الجامعات ومراكز الأبحاث حول العالم آلاف الأوراق العلمية في مختلف مجالات البحث، ما يجعل من الصعب على العلماء متابعتها وقراءتها جميعاً، مع أنه في بعض الأحيان قد تتضمن سطور قليلة في مقالة أدلة ومعلومات مهمة تُغير مسار دراسة بأكملها، وربما تقود إلى اكتشاف علاجات جديدة، أو تُسهِم في حل مشكلة معقدة.
ويرى بعض المهتمين أن بإمكان برامج الحاسب المساعدة في حل هذه المعضلة، من خلال تحليلها للأبحاث العلمية على نطاقٍ واسع يصعب على الباحثين الإحاطة به.
ومن بين المحاولات في هذا الشأن، ما تقدمه شركة «آي بي إم» الأميركية من أدوات تحليل النصوص، التي تُنقب في المنشورات العلمية وبراءات الاختراع وقواعد البيانات الجزيئية؛ بهدف مساعدة شركات الأدوية الراغبة في البحث عن دواء لمرضٍ معين، وقد تستخدم الشركات هذه الأدوات للعثور على جزيئات تتمتع بخواصٍ معينة.
ومن أمثلة ذلك، أيضاً برنامج تتعاون في تطويره «آي بي إم» و«كلية بايلور للطب» في ولاية تكساس، ويستطيع استيعاب آلاف الأوراق البحثية التي تركز على عمل أحد البروتينات، ما يسرع من عملية تطوير علاجات جديدة لمرض السرطان، حسبما تناوله تقرير نشره موقع مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» الأميركية.
ودرس البرنامج ما يزيد على 60 ألف بحث علمي، ركزت على بروتين «بي 53» المسؤول عن نمو الخلايا، والمتصل بمعظم أنواع مرض السرطان، وعن طريق تحليل محتوى الأبحاث، تمكن البرنامج من تطوير معلومات الباحثين عن الإنزيمات المعروفة باسم «كيناز»، التي تنظم سلوكيات بروتين «بي 53»، وعادةً ما تمثل هذه الإنزيمات هدفاً لعلاجات السرطان، كما حدد البرنامج قائمة ببروتينات وإنزيمات أخرى غير مكتشفة.
وأظهرت الاختبارات صحة أغلب ما تم التوصل إليه، كما خضع البرنامج لاختبار سابق تطلّب اكتشاف الإنزيمات الخاصة ببروتين «بي 53» من خلال البحث في الدراسات المنشورة قبل عام 2003، واستطاع البرنامج اكتشاف سبعة إنزيمات لم تُكتشف إلا بعد عام 2003.
واعتبر الأستاذ في «كلية بايلور للطب»، أوليفييه ليشتارغ، أن «هذه الطريقة في الاختبار مثالية لإظهار أن الاكتشافات التي تتوصل إليها البرمجيات قد تسرع من تقدم الأبحاث الساعية لاكتشاف علاجات جديدة»، ورأى أن «النتائج إلى الآن تشير إلى صحة ذلك الافتراض».
ومع ذلك، قال ليشتارغ إنه لايزال يتعين جمع ما توصل إليه البرنامج ونشره في إحدى الدوريات العلمية، إضافة إلى إجراء المزيد من الفحوص المخبرية للتحقق من النتائج.
وإلى جانب الدور المحتمل للبرنامج في تسريع معدلات الاكتشاف عن المعدل الحالي البالغ إنزيماً واحداً في العام، تمكن البرنامج، المُعد أصلاً لاكتشاف إنزيمات «كيناز»، من التعرف إلى الإنزيمات المضادة لها، وأنواع أخرى من البروتينات، وفقاً لليشتارغ.
ومن الممكن أن تلعب أدوات تحليل الأبحاث الشبيهة بهذا البرنامج دوراً في خفض تكاليف أبحاث الدواء، عبر التقليل من المحاولات غير الناجحة لتطوير العقاقير، وبحسب الباحث في «آي بي إم»، ينغ تشن، فإنه عادة ما يتطلب تطوير دواء جديد إنفاق مبلغ يراوح بين نصف مليار ومليار دولار، ومع ذلك لا تنتهي 90% من هذه المحاولات بالنجاح في إنتاج الدواء والوصول به إلى الأسواق، ويُنظر إلى تكاليف العقاقير الفاشلة كأحد أسباب ارتفاع أسعار الأدوية.
من جانبه، لفت مدير مركز الصيدلة الحاسوبية في جامعة «كولورادو دنفر»، لورانس هانتر، إلى الحاجة إلى الحصول على تأكيدات حذرة للتجارب العلمية لإثبات مزاعم توصل البرمجيات إلى اكتشافات جديدة، لكنه نوّه بأهمية التقدم في هذا المجال؛ نظراً للحاجة الماسة إلى مثل هذه الأدوات.
وتابع أنه «لا يمكن للمتخصصين قراءة كل ما يمكن أن يساعدهم في أبحاثهم؛ بسبب الحجم الضخم للغاية للأدبيات البحثية، سواءً الجديدة والقديمة؛ ففي العام الماضي أضيف ما يزيد على مليون مقال إلى (قاعدة بيانات ميدلاين للبحوث الطبية الحيوية) في (المكتبة الوطنية الأميركية للطب)، ما يرفع عدد محتوياتها حالياً إلى 23 مليون مادة».
وأضاف هانتر أن «بمقدور البرمجيات معالجة قدر هائل من المعلومات، والعثور على أدلة مهمة في مواضع غير متوقعة، وفي بعض الأحيان قد تشتمل بعض المعلومات على حقائق تكمن في نقطة ثانوية في مقال، لكنها تكون مهمة حقاً للباحث إذا ما تمكن من التوصل إليها».
وإضافة إلى دور البرمجيات في التوصل لاكتشافات جديدة، يمكن أن تُغير من طريقة إجراء البحوث وتقييم نتائجها، وحالياً يعتمد العلماء في تقييم الورقة العلمية على سمعة الباحثين والمؤسسات والمجلات التي نشرت البحث، وأيضاً عدد المرات التي استشهد فيها آخرون بالبحث.
ورأى هانتر أنه «يمكن للعلماء الاستعانة بمثل هذه الأدوات في مرحلة مبكرة جداً من عملهم، فتُظهر البرمجيات أدلة مؤيدة ومعارضة لفرضياتهم الجديدة».
وأضاف: «أعتقد أنه حقاً سيُساعد العلم على التقدم بشكلٍ أسرع، غالباً ما نضيع كثيراً من الوقت في المختبر؛ لأننا لا نعلم جميع الأمور الدقيقة في الدراسات السابقة».
من جانبه، يعتقد ليشتارغ أن «البرامج التي تلتقط المعاني من المعلومات المنشورة في مجال معين تقدم أسلوباً آخر، مثل إمكانية نشر البحث ضمن هذه البرامج لاختباره».