أسست «تكنوبورت» كحاضنة للأعمال التقنية الناشئة لتلقي الأفكار الجديدة وتقييم فرص نجاحها
لوكسمبورغ تطمح لتكون مركزاً جديداً للابتكار التكنولوجي في أوروبا
ربما لا تتفق صورة أبراج مصانع الصلب مع الصورة الشائعة عن الثروة في لوكسمبورغ، التي تبلغ مساحتها 2586 كيلومتراً مربعاً فقط، لكن قريباً من المنطقة الصناعية على مسافة 20
كيلومتراً جنوب مدينة لوكسمبورغ، ينمو حي جديد يهدف إلى تقديم الدوقية مركزاً جديداً للابتكار التكنولوجي في أوروبا.
وتأسست «تكنوبورت» كحاضنة للأعمال التقنية الناشئة، ويمكن لأي شخص التقدم بفكرته ليتم تقييم فرص نجاحها، ومن ثم يمكن أن يحصل على مساحات وإرشادات للعمل، وتتشكل الأفكار في مختبر «فاب لاب» الرقمي، وهو جزء من شبكة عالمية متنامية قدمها مركز «بيتس آند أتومز» التابع لمعهد معهد ماسوتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة.
وتشهد دول أوروبية عدة تأسيس مراكز تكنولوجية أكثر طموحاً وازدهاراً، منها العاصمة الفنلندية هلسنكي، والعاصمة السويدية ستوكهولم، وأيضاً العاصمة الألمانية برلين، كما أنشأت فرنسا العديد من الحاضنات الصغيرة، وتسعى بريطانيا إلى توفير ما يكفي لإنشاء وادي السيليكون.
ويرى المؤسس المشارك في «توك ووكر» أداة لمتابعة الإعلام الاجتماعي، كريستوف فلوشيت، أن المشهد التقني في لوكسمبورغ يعكس خصوصية الدوقية الصغيرة، ولا يمكن مقارنته بمنافسيها. وأشار إلى أن لوكسمبورغ تحظى بمكانة ملائمة، وتحتاج إلى وضع نفسها في مجال معين لتصبح رائدته على مستوى العالم.
ويبلغ عدد سكان لوكسمورغ ما يزيد قليلاً على نصف مليون نسمة، وهو ما يقل عن عدد سكان معظم العواصم الأوروبية، لكنها في المقابل توفر وقتاً أقل للانتظار للشركات أو الأعمال المستقبلية. وأشار المؤسس المشارك في منصة «جامندو» للموسيقى المجانية لوران كراتز، أن حاضنة «تكنوبورت» ساعدت شركته على الاتصال بوزارة الثقافة، وبدورها وضعت «جامندو» في جناح لوكسمبورغ في مهرجان «ميديم» السنوي للموسيقى بفرنسا.
وقال كراتز: «هنا في لوكسمبورغ تجري مكالمتين هاتفيتين وبعد أسبوعين يكون لديك موعد»، مشيراً إلى اختلاف ذلك عن وطنه فرنسا، حيث يُعد الوصول السهل والسريع إلى الإدارات الحكومية أمراً لا يمكن تخيله.
ومقارنة مع غيرها من مراكز التكنولوجيا في أوروبا، لا تمتلك لوكسمبورغ شركات مثل «روفيو» الفنلندية صاحبة لعبة «أنجري بيردز»، أو «ساوند كلاود» الألمانية، إلا أنها تشتهر بكونها مكاناً تقصده شركات التكنولوجيا بعد تحقيقها نجاحاً باهراً.
ويتطلب إنشاء شركة ذات مسؤولية محدودة في لوكسمبورغ مبلغ 12.5 ألف يورو (17 ألف دولار)، وهو ما يُصعب من مشروعات وابتكارات صغيرة، مثلما بدأ ستيف جوبز، وستيف وزنياك، تأسيس شركة «أبل» في مرآب منزلي.
وقال نائب رئيس غرفة التجارة الأميركية في لجنة لوكسمبورغ للشركات الجديدة وريادة الأعمال بيدرو كاستيلهو: «إذا ما رغب تلميذ في إنشاء تطبيق يمكن أن يقوم بذلك من المنزل»، وأضاف أنه «سيكون عليه استئجار مساحة للتخزين السحابي قد تكلف خمسة يورو في الشهر، وفي تلك المرحلة لن يحتاح إلى رأسمال مبدئي يبلغ 12.5 ألف يورو».
وتهدف الغرفة التجارية الأميركية إلى تعزيز الأعمال المشتركة بين الولايات المتحدة ولوكسمبورغ، ويروّج كاستيلهو لهيكل منخفض الكلفة يحمل اسم «1-1-1» يمكن الأشخاص من إنشاء شركة خلال يوم واحد فقط.
وإلى جانب التكاليف المرتفعة، يوجد عائق آخر، يتمثل في إقبال خريجي الجامعات على شغل الوظائف الحكومية ذات المرتبات المرتفعة أكثر من تأسيس شركات خاصة، ويعمل 42% من مواطني الدوقية متعددة اللغات في القطاع العام، لذلك يعد المغتربون القوة الدافعة لمجتمع الشركات الناشئة.
ومع ذلك، تتميز لوكسمبورغ ببنيتها التحتية الجيدة في مجال التقنية، وفقاً لبيانات شركة «نت إندكس» تزيد سرعة تصفح الإنترنت فيها على ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، كما يعد «البنك الدولي» أن لدى لوكسمبورغ خوادم إنترنت مؤمنة لكل مليون مقارنة بفرنسا وفنلندا.
وقال مدير الإعلام والاتصالات في وزارة الخارجية، جان بول زان: «لقد نجحنا الآن في بناء عرض بيع فريد لناس يرغبون في خطوط سريعة وآمنة ومراكز بيانات».
كما تمثل الضرائب المخفّضة حافزاً آخر للاستثمار في الشركات التقنية الناشئة في لوكسمبورغ؛ فيُعفى من الضرائب ما يصل إلى 80% من الدخل الصافي الناتج عن الملكية الفكرية، بما فيه التصميمات وأسماء النطاقات وحقوق النشر والتأليف.
كما تستهدف المنح الحكومية الشركات الناشئة المبتكرة، ويمكن أن تصل إلى تمويلات بقيمة مليون يورو، وتتمتع المبادرات الخاصة، كالتي توفر مساحات لورش العمل والتدريب بصلات وثيقة مع الحكومة، ما يخلق شبكة صغيرة ومتماسكة من المؤسسات، التي تُعزز وتدعم ريادة الأعمال في لوكسمبورغ.
وظهرت مؤسسات مثل «إيروب فور ستارتآبز» و«كي بي إم جي كيه ستارت» بهدف جذب الشركات الناشئة الدولية.
ويأتي اتجاه لوكسمبورغ لجذب المواهب التقنية ضمن محاولتها لخلق اقتصاد أكثر تنوعاً، وهو ما تحتاجه في وقت يشهد تغيرات دولية تؤثر فيها.
وحالياً تُسجل أسماء كبيرة في التجارة الإلكترونية مثل «آي تيونز» و«أمازون» و«إي باي» منتجاتها الرقمية المصنوعة في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط في دوقية لوكسمبورغ، لكن إصلاحاً منتظراً في نظام الاتحاد الأوروبي لضريبة القيمة المُضافة يبدأ تطبيقه في عام 2015 سيغير من عائدات الضرائب، فستحصل بلد المستهلك على الضرائب بدلاً من بلد شركة التوريد، وهو ما يمكن أن يُكلف لوكسمبورغ ما يصل إلى 700 مليون يورو من عائدات الضرائب، ما يعادل 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما يحمل عام 2015 تحدياً آخر للوكسمبورغ، يتمثل في تخفيف قوانين السرية المصرفية، ما يمكن أن يتسبب بمغادرة ما بين 5 و15 مليار يورو من التمويلات المصرفية الخاصة، وفقاً لبيانات المعهد الإحصائي الوطني «ستاتك».
ولمواجهة ذلك، تسعى لوكسمبورغ إلى بناء صناعة معتمدة على المعرفة، ولذلك ضاعفت لوكسمبورغ استثماراتها في الأبحاث العامة والخاصة 10 مرات ما بين عاميّ 2000 و2013.
كما تأسست الجامعة الأولى والوحيدة في لوكسمبورغ عام 2003، ويُنتظر أن يكون لها دور في البحوث في المنطقة الصناعية في بيلفال، كما تقع بالقرب من «تكنوبورت» ومراكز الأبحاث الأخرى. وتستضيف «تكنوبورت» 27 شركة، وشهدت العام الماضي بداية عدد قياسي من التطبيقات، خصوصاً تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول، مثل «فلاش هيز» و«ديجيكاش» و«باي كاش». ومن بين المشروعات الطامحة «أول سكوير»، وهي شبكة اجتماعية للاعبي الغولف أسسها عام 2012 باتريك رهمي من لوكسمبورغ، وآرثر ديريفوري من جنيف. وتلقى رائدا الأعمال تدريباً مجانياً في «تكنوبورت»، كما حصلا على توجيه لثلاثة أشهر في وادي السيليكون في الولايات المتحدة، بالتعاون بين حكومة لوكسمبورغ، و مركز «بلج آند بلاي تك» في كاليفورنيا الأميركية.
واعتبر رهمي أن الطريق سيكون أكثر صعوبة إذا ما بدأ في بلدٍ أوربي آخر، وقال: «كل شيء سهل جداً في لوكسمبورغ.. إنها بيئة مترابطة جداً من الأشخاص الذين يعرفون بعضهم بعضاً، وعلى استعداد للمساعدة».