تتميز باجتذابها المواهب والكفاءات البشرية وانخفاض أسعار الإيجارات
برلين تتجه لتصبح وادي السيليكون المقبل عالمياً
لم يعد اسم «وادي السيليكون» مجرد إشارة إلى المنطقة الجنوبية لخليج «سان فرانسيسكو» شمال ولاية كاليفورنيا الأميركية، التي تضم بعضاً من أهم وأنجح شركات التكنولوجيا في العالم، مثل «غوغل» و«أبل» و«إنتل»، بل صار الاسم حلماً يراود العديد من مدن العالم، بأن تؤسس مراكز مزدهرة لشركات التقنية الناجحة.
يشار إلى مناطق مختلفة بأسماء قريبة على أمل أن تحاكي نجاح النسخة الأصلية، مثل «سافانا السيليكون» في شرق القارة الإفريقية، و«خليج السيليكون» في الفلبين، و«سيليكون جلين» في اسكتلندا، لكن أياً منها لا يقترب في الواقع من وادي السيليكون الفعلي.
في المقابل، تمتلك العاصمة الألمانية برلين ما يؤهلها بالفعل لتصبح مركزاً مزدهراً للتكنولوجيا، إذ مثلت برلين قبل 100 عام «وادي السيليكون» للعالم آنذاك، وعُرفت باسم «إلكتروبوليس»، نظراً لوفرة الأدوات الكهربائية التي طورتها شركتا «إيه إي جي» و«سيمنز» اللتين نشأتا في المدينة.
وكان الـ«ترام» الكهربائي والمصاعد من الاختراعات التي وُلدت في برلين، ورسمت المصابيح الكهربائية أسماء المنتجات الجديدة في ميدان «بوتسدام»، ما يعني أن برلين طالما نظرت إلى نفسها بوصفها مركزاً متقدماً للصناعات العالية التقنية، وهو الشعور الذي عاد بقوة خلال السنوات الأخيرة.
ولدى برلين بعض من أهم عناصر النجاح، أولها الأشخاص الأذكياء ذوو المهارات الذين يجذبون نظراءهم الأذكياء من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى أسعار منخفضة للإيجارات تسهل من تأسيس وتوسعة الشركات الناشئة.
ومن بين أمثلة الشركات الناجحة في المدينة موقع «ساوند كلاود»، الذي نشأ بدايةً في العاصمة السويدية، استوكهولم، ثم انتقل إلى برلين، وفيها حقق شهرته وانتشاره. ويُتيح الموقع نشر ومشاركة الملفات الصوتية، ويُمكن اعتباره بمثابة موقع مشاركة مقاطع الفيديو «يوتيوب» لكن للصوت.
واعتبر نائب رئيس المجتمع في «ساوند كلاود»، ديفيد نويل، أن أحد العوامل التي قربت الشبه بين برلين ووادي السيليكون، هو تغير موقفها من المخاطرة، قائلاً: «إذا فشلت في أوروبا فستحمل معك وصمة الفشل، وعندما أنظر إلى برلين فإن ذلك يتغير، لذلك نحن لا نتحدث عن الفشل كأمرٍ سيئ، لكننا نتحدث عن الفشل على نحو يتيح لنا أن نصبح أفضل في المرة المقبلة».
وتزدهر في برلين شركات مُماثلة تعمل في مجال الشبكات الاجتماعية، من بينها «ووجا» التي تطور ألعاباً للهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية، وتُعد خامس أكبر مطور للألعاب في «فيس بوك» من ناحية عدد المستخدمين شهرياً.
وهناك «ريسيرش جيت»، وهي شبكة اجتماعية تربط بين الباحثين والعلماء لتبادل الأوراق البحثية والبيانات، وتكوين صلات للتعاون. ومن بين المستثمرين فيها أحد مؤسسي شركة «مايكروسوفت» الأميركية، بيل غيتس.
كما توجد في برلين شركة «زوبي» التي طورت تطبيقاً للهواتف الذكية يحمل الاسم ذاته، ويتيح للمستخدم تسجيل رسالة بصوته ومزامنتها مع مقطع كرتون متحرك لشخصيات. وذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «زوبي»، لينارد كراوينكل، ضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي»، أن برلين مثيرة في الوقت الراهن. وقال: «يمكنك أن تستأجر أماكن بثمن زهيد، كما يمكنك أن توظف أشخاصاً بقدر من المال يقل كثيراً عن سان فرانسيسكو، وحتى أقل كثيراً من آسيا».
ومع ذلك، فاستضافة برلين لعدد من شركات الشبكات الاجتماعية لا تكفي لجعلها وادياً للسيليكون، إذ يرى الشريك في شركة «إيرلي بيرد» لرأس المال المغامر، كيران أوليري، أن برلين تسير في الاتجاه الصحيح، لكن لايزال أمامها بعض الطريق لتقطعه.
وأضاف: «لايزال النظام البيئي في برلين شاباً جداً وصغيراً، لكنها على مسار مذهل. أعتقد أن برلين لاتزال بحاجة إلى عامين آخرين لتكون بالفعل واحداً من أهم مكان أو اثنين في العالم».
ويبدو بالفعل أن أمام برلين بعض الوقت لتبلغ المكانة التي تنشدها، وبحسب ترتيب عالمي حديث رتب المدن بحسب الشركات الناشئة التي تأسست فيها خلال السنوات الـ10 الأخيرة وانتشرت عالمياً، أو اجتذبت رؤوس أموال من ممولين كبار، حل في المركز الأول وادي السيليكون في كاليفورنيا بعدد 201 شركة، تلته نيويورك بـ144 شركة.
وجاءت العاصمة البريطانية لندن في المركز الثالث بـ90 شركة، في حين كان لدى برلين 27 شركة فقط، وسبقت كلاً من بنجالور الهندية التي تحتضن 26 شركة، وساو باولو في البرازيل التي ضمت 21 شركة.
ومما يتوافر لدى برلين بالفعل هو ما يُعرف عن استعدادها وأهليتها للابتكار، ومنذ سقوط جدار برلين في عام 1989 تسعى المدينة لإعادة تقديم نفسها، وعمت الثقافة البديلة الحيوية التي ازدهرت في القسم الغربي منها قبل توحيد شطري ألمانيا، أرجاء المدينة الموحدة.
وإضافة إلى روح الابتكار، تقل كلفة الملكية في المدينة عن نظيرتها في مدن تضاهيها شهرة، مثل لندن ونيويورك، إذ بلغ متوسط الكلفة السنوية لمكتب العمل في برلين، بما في ذلك الإيجار وتكاليف الصيانة والضرائب، 8410 دولارات (30 ألفاً و889 درهماً) في نهاية عام 2013، مقارنة بـ14 ألفاً و50 دولاراً في نيويورك (51 ألفاً و605 دراهم)، و14 ألفاً و620 دولاراً (53 ألفاً و699 درهماً) في لندن، وفقاً لتقرير نشرته شركة «دي تي زد» للخدمات العقارية.
وبالتأكيد لا تصنع الإيجارات الرخيصة وحدها مركزاً ناجحاً لشركات التكنولوجيا، لكن المواهب والأشخاص الأذكياء ذوو الطموح المرتفع يُمكن أن يؤسسوا لوادي سيليكون جديد.