شركات التكنولوجيا الكبرى تتسابق لتوفير خدمات دفع الأموال
على مدى العقدين الماضيين، أحدثت كبرى شركات التكنولوجيا، مثل «غوغل» و«أبل» و«أمازون»، ثورة في الطريقة التي يحصل بها الناس على المعلومات، ويعثرون على المنتجات الجديدة،، ويشترون البضائع والخدمات من الملابس إلى تذاكر الطيران.
ومع هذا التحول الثوري، تكاد لم تتغير الطريقة التي يدفع بها الناس المال، وظلت الأموال النقدية والبطاقات الائتمانية سيدة الموقف، على الرغم من تغيير شركات وادي السيليكون للعديد من تجارب الحياة اليومية، حتى إن معظم المعاملات التي تجري عبر شبكة الإنترنت تتم بواسطة البطاقات الائتمانية.
لكن يبدو أن هذا الوضع قد يتغير قريباً بدخول أساليب جديدة لدفع الأموال، فيضع بعض من أكبر شركات التكنولوجيا طريقة تحصيلها الأموال من المستخدمين ضمن اهتماماتها الأولى، وأدركت تلك الشركات ما يحمله مجال دفع الأموال من إمكانات ومكاسب ضخمة، سواءً ما يتعلق بالأرباح أو بالبيانات الثمينة، فالأمر لا يتعلق فقط بعائدات تصل إلى مليارات الدولارات، بل أيضاً بتشكيل الطريقة التي يشتري بها الناس ويسددون المال في المستقبل، وفق ما أورد تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.
واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة «إي باي»، جون جيه دوناهو، أنه لم يطرأ كثير من التغيير على طريقة تسوق الأشخاص ودفعهم المال خلال الـ20 عاماً الأخيرة.
وفسر المُحلل في مجموعة «يانكي» لأبحاث سوق تكنولوجيا المعلومات، جوردان ماكي، ذلك بقوله: «يعمل النقد بشكلٍ رائع، وتعمل البطاقات الائتمانية على نحو رائع أيضاً».
وتُمثل شركة «باي بال»، التي استحوذت عليها «إي باي» في عام 2002 مقابل 1.5 مليار دولار، أبرز نموذج لشركات التكنولوجيا الساعية لتغيير طرق دفع الأموال، وباستثناء نظام البطاقات الائتمانية، فإن نظام «باي بال» يعد الأكثر استخداماً للدفع عبر الإنترنت، ويتضمن 110 ملايين حساب نشط، من المتوقع أن يجروا خلال العام المُقبل معاملات تتجاوز 200 مليار دولار، ويُثمر عملها سريع النمو أكثر من ستة مليارات دولار سنوياً.
كما سبقت «باي بال» في تطوير استراتيجية للمحمول، ما سمح باستخدام تقنيتها في مشتريات المتاجر، لكن تسعى «غوغل» و«أمازون» وغيرهما بقوة للدخول إلى ميدان عمل «باي بال»، وطورت كلٌ منهما منتجات منافسة، كما تمتلك «أبل» و«مايكروسوفت» بيانات البطاقات الائتمانية لمئات الملايين من المستخدمين الذين تعاملوا مع واحدة أو أكثر من خدماتها.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، قدمت «غوغل» منتجها «غوغل والت» أو «محفظة غوغل» بديلاً لموقع «باي بال»، ومثله يمكن لمستخدمي «غوغل والت» ربط بطاقاتهم الائتمانية وحساباتهم المصرفية بالخدمة، وعند رغبتهم في الدفع مقابل منتج أو خدمة عبر الإنترنت للحواسيب المكتبية أو الهواتف الذكية، يتطلب الأمر إدخال حسابهم في «غوغل والت» وكلمة المرور، بدلاً من الرقم الكامل للبطاقة الائتمانية وتاريخ الصلاحية ورمز الأمان.
وكما هي الحال مع «باي بال»، ترمي خدمة «محفظة غوغل» إلى تخفيف بعض الاحتكاك في التجارة الإلكترونية،؛ ومع ذلك، ربما تُواجه «غوغل» صعوبات في إقناع العديد من تجار التجزئة باعتماد خدمتها، ومن بين الشركات التي تقبل الدفع بواسطة «غوغل والت» «إيربنب» ومتجر الألعاب «تويز آر أص» و«كويزنوس»، في حين يقلق كبار تجار التجزئة من اعتماد الخدمة.
وأشار ماكي إلى تردد الكثير من تجار التجزئة في التعاون مع «غوغل»، خوفاً من أن تحول ما لديهم إلى معلومات تستغل في المنافسة، ومثلاً قد تقلق شركة من أن استخدامها «غوغل والت» يعني تسليمها معلومات عن السمات الديموغرافية للمستهلكين وعاداتهم الشرائية.
وأضاف: «يحرص (وول مارت) على بيانات معاملاته بشكل وثيق جداً، لكن هذا بالضبط ما تريده (غوغل)».
وينظر مسؤولو متاجر التجزئة بقدرٍ أكبر من الشك إلى شركة «أمازون»، التي قدمت خدمة «ادخل وادفع مع أمازون» العام الماضي، ولا تستهدف أمثال متاجر «وول مارت» في العالم الحقيقي كمحال بيع الزهور ومرآب السيارات والمطاعم، لأن «أمازون» لا تُنافس فيها.
وقال نائب الرئيس في «أمازون» المُشرف على مبادرات الدفع، توم تايلور، إن شركته ترى فرصاً هائلة في المدفوعات، مضيفاً: «نحن لا نتحدث عن تجارة التجزئة الصارمة على الإنترنت، نتحدث عن تريليونات الدولارات».
وعلى الرغم من تسجيل بعض الشركات مثل «غوغو إنفلايت»، لخدمات الإنترنت على متن الطائرات، في خدمة «ادخل وادفع مع أمازون»، إلا أن تايلور يعترف بأن الرئيس التنفيذي لشركة «أمازون»، جيف بيزوس، ليس لديه أي مبرر للاحتفال بعد، وأشار إلى أن «ربما يشعر بيزوس بقليل من خيبة الأمل، لأنهم لم يعملوا بشكل أفضل قليلاً».
ومع ذلك، فمن المرجح أن تتوافر أمام «أمازون» وغيرها من الشركات فرصة للعمل، ما يعني أن «باي بال» سيُواجه قدراً أكبر من المنافسة قريباً، إذ من المرجح أن يوجد العديد من الشركات التي تُوفر الحافظات الرقمية على الإنترنت.
وقال تايلور: «يوجد مجال للعديد من الفائزين».
وتبدو المعركة في مراحلها الأولى فحسب، فحالياً تجري 10% فقط من المعاملات التجارية عبر الإنترنت، بينما تتم النسبة الباقية في العالم الحقيقي.
وقال دوناهو: «يطمس المحمول الخطوط الفاصلة بين التجارة الإلكترونية والمتاجر الفعلية، وهذا سيُغير تماماً من الطريقة التي يتسوق ويدفع بها الناس».
وسمحت الهواتف الذكية للمستخدمين بأخذ محافظهم الرقمية إلى المتاجر العادية، الأمر الذي دفع تجار التجزئة ومقدمي خدمات الدفع لإعادة تقييم العلاقة بين الأموال على الإنترنت والمنتجات المطروحة في المتاجر.
وتعدى الأمر مجرد تسهيل خدمات التجارة الإلكترونية أثناء التنقل باستخدام الأجهزة المحمولة إلى التعامل داخل المتاجر العادية بالحافظات الرقمية مثل «باي بال» و«غوغل والت»، وذلك عن طريق تقنية «التواصل قريب المدى» أو «إن إف سي» التي تتطلب التعامل ضمن نطاق ضيق لا يتجاوز بضع سنتيمترات.
وتتيح «غوغل» استخدام التقنية عبر الهواتف العاملة بنظام تشغيل «أندرويد» في متاجر «سي في إس»، كما توفرها «باي بال»، وتبدو «غوغل» و«أمازون» في بداية السباق، ويحاول كلٌ منهما إضافة ميزات جديدة كبرامج الولاء والمكافآت ورسوم الخصم في محاولة لتمييز خدماتها.
ومن المنتظر دخول شركات أخرى السوق بما لديها من معلومات قيّمة، مثل «أبل»، التي تحتفظ بالعدد الأكبر من حسابات البطاقات الائتمانية، الذي يزيد على 575 مليون بطاقة، وأيضاً «مايكروسوفت» التي يمكنها تحويل خدمة «الاعتمادات الائتمانية»، التي تتيح للمستخدمين شراء بضائع افتراضية وخدمات محدودة في خدماتها مثل «إكس بوكس لايف» و«سكايب»، إلى منافسٍ قوي، مستفيدة من «محرك البحث الاجتماعي» أو «غراف سيرش» لما يزيد على مليار مستخدم.