تساؤلات حول قدرة الشركات الصغيرة على الاستفادة من «ثورة البيانات»
تطورت سبل تخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات، كتلك التي تتناول سلوكيات مستخدمي الإنترنت والشبكات الاجتماعية أو المتسوقين، ما وثق صلة البيانات الضخمة وتحليلاتها بالعديد من المجالات من الزراعة إلى التسويق والطب، وعزز التوقعات بتحقيق الشركات أرباحاً طائلة.
ومثلاً قدر الرئيس التنفيذي الجديد لشركة «مايكروسوفت»، ساتيا ناديلا، أرباح الشركات الكبيرة من تحليلات البيانات، خلال السنوات الأربع المُقبلة، بمبلغ 1.6 تريليون دولار، ما يطرح تساؤلات حول نصيب الشركات الأصغر حجماً من ثورة البيانات الرقمية الضخمة ومنافعها.
ويرى خبراء أن الاستفادة من تحليلات البيانات الضخمة أو الكبيرة، ليست حكراً على الشركات والمنظمات الكبيرة وحدها، بل إن بمقدورها أن تمنح الكيانات الأصغر الأدوات اللازمة للنمو والعمل على نطاقٍ أوسع؛ فليس المهم حجم الشركة، بل كيفية استغلال نتائج التحليل، كما أن تطبيقات التحليل تُوفر فرصاً لتأسيس مشروعات جديدة أمام الشركات الناشئة، وفق ما تناوله تقرير نشره موقع «بي بي سي».
وعلى سبيل المثال، فبالنسبة لشركة «ميديتونك» للألعاب الرقمية، تُعتبر البيانات الضخمة أساسية لعملها، وفقاً للرئيس التنفيذي للشركة، ديف بيلي، الذي أشار إلى دور تلك البيانات في توجيه استراتيجية الشركة، وكذلك إلى أهميتها للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتُصدر «ميديتونك» ألعاباً رقمية فقط منها «ديزني سوبريا»، ويُولد استخدام اللاعبين باستمرار قدراً هائلاً من البيانات مثل توقيت اللعب، ومدته، والمناطق التي ينتمون إليها، ومدى سهولة أو صعوبة أجزاء اللعبة المختلفة.
وفي مثالٍ آخر، تُسهِم تحليلات البيانات الضخمة في النمو السريع لأعمال شركة «سريتيو» الفرنسية للإعلانات على الإنترنت؛ فتتبع الشركة جولات المستخدم عبر الإنترنت لتقدم إعلانات مُخصصة تُلائم اهتماماته الخاصة، بناءً على سلوكه السابق في التصفح.
وتُغيّر «سريتيو» الإعلانات في الوقت الحقيقي حسب المستخدم، وبالتالي يُمكن لشخصين يزوران موقعاً ما في الوقت نفسه أن يرى كل منهما إعلاناً مختلفاً اعتماداً على تاريخ تصفحهما.
وقال نائب رئيس الهندسة في «سريتيو»، جوليان سيمون، إن «فهم وإدارة البيانات الرقمية أمر جوهري لنجاح العمل».
وتقدم «سريتيو» يومياً مليار لافتة إعلانية على الإنترنت، وتتعاون مع 3000 مُعلن في مختلف أنحاء العالم.
لكن بعيداً عن مجالات الألعاب وتصفح الإنترنت، التي تتصل مباشرة بالبيانات الضخمة وتحليلاتها، ويُولد كل منها بطبيعته قدراً كبيراً من البيانات الرقمية، يبرز سؤال حول الكيفية التي يمكن فيها للشركات الصغيرة التي تعمل في مجالات أخرى تحقيق الاستفادة من البيانات الضخمة.
ويعترف الرئيس التنفيذي لتحليلات البيانات في شركة «فيسو» لتحليل البيانات، أندرو جينينجز، أنه ليس من الواقعي بالنسبة للبائعين المنفردين أن تنطبق عليهم البيانات الضخمة مباشرة، لكنه يعتقد أن بإمكانهم الاستفادة من خدمات تعتمد عليها مثل الخرائط وتوقعات حالة الطقس.
وفي عالم يتزايد اعتماده على الأجهزة المحمولة وتطبيقاتها، سيصبح بمقدور الشركات الاستفادة من قوة تحليلات البيانات الضخمة عبر الهواتف، حسبما يرى الرئيس التنفيذي لمنصة «كونتينيوتي»، جوناثان غراي، التي تُساعد مطوري التطبيقات على دمج منتجاتهم مع نظم إدارة البيانات الضخمة مثل «هادوب»، وبالتالي تتيح للمستخدمين تحليل تدفقات البيانات في الوقت الحقيقي.
واعتبر غراي أن القيمة الأهم تكمن في التطبيقات وليس في البنية التحتية.
ويعني ذلك أن الاستخدامات العملية لتحليلات البيانات الضخمة تمتد لمجالات متنوعة وتعتمد أساساً على التحليل الجيد واستثمار المعلومات؛ فمثلاً يُمكن لمتاجر تجزئة محلية تبيع مظلات ومستلزمات حفلات الشواء في الهواء الطلق الاستفادة من توقعات حالة الطقس، وبيانات عن مشاعر المستهلكين المستمدة من الشبكات الاجتماعية، والأماكن التي يزورونها من خلال هواتفهم المحمولة، ما يتيح للمتاجر توقع الكميات التي يحتاج إليها المتسوقون، وأساليب الترويج.
وبين غراي إمكانية استفادة المزارعين من البيانات الضخمة عبر هواتفهم والأجهزة المحمولة لتحليل التربة، فيصلون إلى قدر هائل من البيانات حول حالة الطقس التفصيلية، وأنواع التربة، والأوقات المُثلى للبذر وحصاد المحاصيل.
ويعني ذلك أن الأعمال الناشئة وتلك التي تُولد قدراً محدوداً من البيانات ليستا بعيدتين عن ثورة البيانات الضخمة، وقال مدير التسويق الأوروبي في شركة «أكسكيوم» المتخصصة في تحليل البيانات الضخمة، جيد مولي: «نعيش في مجتمع البيانات»، وأشار إلى أنه لا يُمكن للشركات أياً كان حجمها احتمال كلفة تجاهل ذلك. واتفق نائب الرئيس لاستراتيجية العمل في شركة «مونجو دي بي»، مات أساي، مع مولي، قائلاً: «يتوجب على جميع الشركات، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، متابعة بيانات متعامليها والبيانات الوصفية، بحيث يمكنها الاستجابة سريعاً لما يقومون به ودفع الرسائل إليهم»، لافتاً إلى الحاجة إلى التعامل مع البيانات الحديثة وغير المرتبة عند تطوير تطبيق لـ20 شخصاً أو لـ20 ألف شخص.
وأشار إلى أنه «لا يُمكن لأحد الجدال في أن الشركات الصغيرة لا تحصل على المخزون نفسه من بيانات المتعاملين كالكيانات الأكبر، مثل (أمازون)، لكن مع ذلك يوجد الكثير من مجموعات البيانات العامة المفيدة».
وأورد أساي مثالاً على استثمار البيانات، كاستفادة شركات سيارات الأجرة من بيانات تأخر قطارات السكك الحديدية والطائرات لتُخطط للأماكن التي تُركز فيها انتشار سياراتها، وتوقيت وجودها.
وحول ذلك المجال تأسس العديد من الشركات، منها ما تخصص في توفير تحليلات حول استخدام التطبيقات مثل «فلوري»، وأخرى تُحول البيانات الخام إلى معلومات ورؤى مفيدة يُمكن التصرف بناء عليها.
ويُعد الإعلام الاجتماعي المصدر الأوثق صلةً بالشركات الصغيرة، باعتباره أداة للاتصال أو طريقة لمعرفة المستهلكين، ويُعنى العديد من الشركات بتحويل بيانات الإعلام الاجتماعي إلى رؤى مفيدة للشركات من مختلف الأحجام، ومنها «داتا سيفت» و«إنم بلاست» و«سكند سينك».
ويُشير ذلك إلى أنه ليس حجم البيانات أو البنى التحتية ما يُسهِم فقط في الأرباح الطائلة من وراء البيانات الضخمة، فيُوجِد فرصاً عدة أمام الشركات الصغيرة.
واعتبر مدير علوم البيانات في شركة «سيراداتا» للتحليلات، دونكان روس، أن الشركات الصغيرة لديها قدرة أكبر بكثير على الابتكار مقارنةً بالشركات الكبيرة.
وقال روس: «تُقدم البيانات الضخمة العديد من فرص الأعمال، لكن عليك أن تكون مستعداً وتتابع أين ستأخذك البيانات والمال»، وهو ما يتفق مع رأي أندرو جينينجز من «فيسو»، الذي أشار إلى أنه «دائماً عند الحديث عن البيانات الضخمة، يجري التركيز على كلمة (ضخمة)، في حين أن الأمر لا يتعلق حقاً بالحجم، وإنما بكيفية استخدام البيانات».